الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
ومن هذا قوله تعالى : وإن من شيء إلا يسبح بحمده فالبليد يفتقر فيه إلى أن يقدر للجمادات حياة وعقلا ونطقا بصوت وحرف حتى يقول : سبحان الله ليتحقق تسبيحه .

والبصير يعلم أنه ما أريد به نطق اللسان بل كونه مسبحا بوجوده ومقدسا بذاته ، وشاهدا بوحدانية الله سبحانه كما يقال .

وفي كل شيء له آية تدل على أنه الواحد وكما يقال : هذه الصنعة المحكمة تشهد لصانعها بحسن التدبير وكمال العلم لا بمعنى أنها تقول : أشهد بالقول ولكن بالذات والحال .

، وكذلك ما من شيء إلا وهو محتاج في نفسه إلى موجد يوجده ويبقيه ويديم أوصافه ويردده في أطواره فهو بحاجته يشهد لخالقه بالتقديس يدرك شهادته ذوو البصائر دون الجامدين على الظواهر .

ولذلك قال تعالى ولكن لا تفقهون تسبيحهم وأما القاصرون فلا يفقهون أصلا ، وأما المقربون والعلماء الراسخون فلا يفقهون كنهه وكماله إذ لكل شيء شهادات شتى على تقديس الله سبحانه وتسبيحه ويدرك كل واحد بقدر عقله وبصيرته وتعداد تلك الشهادات لا يليق بعلم المعاملة .

التالي السابق


(ومن هذا) أيضا (قوله تعالى: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ) ولكن لا تفقهون تسبيحهم (فالبليد يفتقر فيه إلى أن يقدر للجمادات حياة وعقلا ونطقها بصوت وحرف حتى يقولوا: سبحان الله) وبحمده (ليتحقق تسبيحه، والبصير يعلم أنه ما أريد به نطق اللسان) بحرف وصوت (بل) أريد به (كونه مسبحا بوجوده ومقدسا بذاته، وشاهدا بوحدانية الله تعالى كما يقال) وهو قول أبي العتاهية، وأوله:


فواعجبا كيف يعصى الإلـ ـه أم كيف يجحده الجاحد

[ ص: 79 ] (وفي كل شيء له آية) أي: علامة دالة (تدل على أنه واحد) لا شريك له (وكما يقال: هذه الصنعة المحكمة) المتقنة (تشهد لصاحبها بحسن التدبير) وإصابة الفعل (وكمال العلم) وجودة المعرفة (لا بمعنى أنها تقول: أشهد بالقول) باللسان الظاهر (ولكن بالذات و) لسان (الحال، وكذلك ما من شيء) من الأشياء (إلا وهو محتاج في نفسه إلى موجود يوجده) أي: يخرجه من العدم إلى الوجود (ويتقنه) أي: يحكمه (ويديم أوصافه ويردده في أطواره) المختلفة .

(فهي بحالها تشهد لخالقها بالتقديس) والتنزيه، والضمير راجع إلى الأشياء، وفي بعض النسخ: "فهو بحاجته يشهد لخالقه" (يدرك شهادتها ذوو البصائر) الكاملة (دون الجامدين على الظواهر) فلا حظ لهم في إدراك تلك الشهادة، ولذلك قال تعالى: ( ولكن لا تفقهون تسبيحهم ) يعني ليس في وسعكم أن تعرفوا حقيقة ذلك، وأصل الفقه فهم الأشياء الخفية، وقيل: هو التوصل إلى علم غائب بعلم شاهد، فهو أخص من مطلق الفهم .

(أما القاصرون) عن نيل الكمال (فلا يفقهون) ذلك (أصلا، وأما المقربون) إلى الله تعالى وهم فوق أهل اليمين (والعلماء الراسخون) في علومهم (فلا يفقهون كنهه وكماله) وكنه الشيء حقيقته ونهايته (إذ لكل شيء شهادات شتى) أي: على أنواع كثيرة (على تقديس الله سبحانه وتسبيحه) وتنزيهه (ويدرك كل واحد) من أهل هذه المراتب (بقدر رزقه) ونصيبه الذي أعطيه (وبصيرته) التي خص بها دون غيره (وتعد تلك الشهادات) أي: كل شهادة تفصيلا (لا تليق بعلم المعاملة) بل هو من علم المكاشفة .




الخدمات العلمية