الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
بيان الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا .

؟ اعلم أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية ، وزعموا أن الرياضة إليه تتوجه ، وإياه تقصد وظن آخرون أنه أصل لا يقبل العلاج وهذا رأي من يظن أن الخلق كالخلق وكلاهما لا يقبل التغيير وكلا الرأيين ضعيف بل الحق فيه ما نذكره ، وهو أنه ما بقي الإنسان يحب شيئا ، ويكره شيئا ، فلا يخلو من الغيظ والغضب ، وما دام يوافقه شيء ، ويخالفه آخر ، فلا بد من أن يحب ما يوافقه ، ويكره ما يخالفه .

والغضب يتبع ذلك ، فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة وإذا ، قصد بمكروه غضب لا محالة إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام .

; الأول : ما هو ضرورة في حق الكافة كالقوت والمسكن والملبس وصحة البدن فمن قصد بدنه بالضرب ، والجرح ، فلا بد وأن يغضب وكذلك إذا أخذ منه ثوبه الذي يستر عورته وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنه أو أريق ماؤه الذي لعطشه ، فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها ومن غيظ على من يتعرض لها .

التالي السابق


(بيان أن الغضب هل يمكن إزالة أصله بالرياضة أم لا؟)

(اعلم) وفقك الله (أنه ظن ظانون أنه يتصور محو الغضب بالكلية، وزعموا أن الرياضة إليه تتوجه، وإياه تقصد) فإزالته ممكنة، ولا استحالة فيها (وظن آخرون أنه أصلا لا يقبل العلاج) ، ولا ينمحي بالكلية، (وهذا رأي من يظن أن الخلق) بضمتين (كالخلق) بالفتح (وكلاهما لا يقبل التغيير) والتبديل; كما تقدم الكلام عليه في كتاب رياضة النفس، (وكلا الرأيين ضعيف) لا يعول عليه، (بل الحق فيه ما نذكره، وهو أنه ما بقي الإنسان يحب شيئا، ويكره شيئا، فلا يخلو من الغيظ، وما دام يوافقه شيء، ويخالفه آخر، فلا بد وأن يحب ما يوافقه، ويكره ما يخالفه، والغضب يتبع ذلك، فإنه مهما أخذ منه محبوبه غضب لا محالة، و) كذلك (إذا قصد بمكروه غضب لا محالة إلا أن ما يحبه الإنسان ينقسم إلى ثلاثة أقسام; الأول: ما هو ضرورة في حق الكافة) لا يستغنون عنه بحال (وهو القوت) بقدر ما يسد جوعه، (والمسكن) بقدر ما يستكن فيه في الشتاء والصيف، (والملبس) بقدر ما يستر عورته، ويصحح صلاته، (وصحة البدن) ، فهذه الأشياء ضرورة في حق الكافة، (فمن قصد بدنه بالضرب، والجرح، فلا بد وأن يغضب) ; إذ وجب عليه حفظ بدنه إلى أن يصح، (وكذلك إذا أخذ ثوبه الذي يستر عورته) ، ويصحح به صلاته، (وكذلك إذا أخرج من داره التي هي مسكنه) ، أو أخذ من قوته الذي يسد به جوعه، (أو أريق ماؤه الذي هو لعطشه، فهذه ضرورات لا يخلو الإنسان من كراهة زوالها) وسلبها، (و) لا يخلو (من غيظه على من يتعرض لها) .




الخدمات العلمية