الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقال جبير بن مطعم بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومعه الناس مقفلة من خيبر إذ علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب يسألونه حتى اضطروه إلى سمرة فخطفت رداءه ، فوقف صلى الله عليه وسلم ، فقال : أعطوني ردائي فوالذي نفسي بيده ، لو كان لي عدد هذه العضاه نعما لقسمته بينكم ، ثم لا تجدوني بخيلا ، ولا كذابا ، ولا جبانا .

وقال عمر رضي الله عنه قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما فقلت : غير هؤلاء كان أحق به منهم ، فقال : إنهم يخيروني بين أن يسألوني بالفحش ، أو يبخلوني ولست بباخل .

وقال أبو سعيد الخدري دخل رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسألاه ثمن بعير فأعطاهما دينارين ، فخرجا من عنده ، فلقيهما عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأثنيا وقالا معروفا ، وشكرا ما صنع بهما ، فدخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره بما قالا ، فقال صلى الله عليه وسلم : لكن فلان أعطيته ما بين عشرة إلى مائة ، ولم يقل ذلك إن أحدكم ليسألني ، فينطلق في مسألته متأبطها وهي نار ، فقال عمر فلم تعطهم ما هو نار ? فقال : يأبون إلا أن يسألوني ، ويأبى الله لي البخل .

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : الجود من جود الله تعالى ، فجودوا يجد الله لكم ألا إن الله عز وجل خلق الجود ، فجعله في صورة رجل ، وجعل رأسه راسخا في أصل شجرة طوبى ، وشد أغصانها بأغصان سدرة المنتهى ، ودلى بعض أغصانها إلى الدنيا ، فمن تعلق بغصن منها أدخله الجنة ، ألا إن السخاء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، وخلق البخل من مقته وجعل رأسه راسخا في أصل شجرة الزقوم ، ودلى بعض أغصانها إلى الدنيا ، فمن تعلق بغصن منها أدخله النار ، ألا إن البخل من الكفر ، والكفر في النار .

وقال صلى الله عليه وسلم : السخاء شجرة تنبت في الجنة ، فلا يلج الجنة إلا سخي ، والبخل شجرة تنبت في النار فلا ، يلج النار إلا بخيل .

وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد بني لحيان : من سيدكم يا بني لحيان قالوا : سيدنا جد بن قيس إلا أنه رجل فيه بخل ، فقال صلى الله عليه وسلم : وأي داء أدوأ من البخل ، ولكن سيدكم عمرو بن الجموح .

وفي رواية أنهم قالوا : سيدنا جد بن قيس ، فقال : بم تسودونه ? قالوا : إنه أكثرنا مالا وإنا ، على ذلك لنرى منه البخل فقال صلى الله عليه وسلم : وأي داء أدوأ من البخل ? ليس ذلك سيدكم قالوا : فمن سيدنا يا رسول الله قالوا : سيدكم بشر بن البراء وقال علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن الله يبغض البخيل في حياته السخي عند موته .

وقال أبو هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : السخي الجهول أحب إلى الله من العابد البخيل .

وقال أيضا قال صلى الله عليه وسلم الشح والإيمان لا يجتمعان في قلب عبد .

وقال أيضا : خصلتان لا يجتمعان في مؤمن : البخل وسوء الخلق .

وقال صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لمؤمن أن يكون بخيلا ، ولا جبانا .

وقال صلى الله عليه وسلم : يقول قائلكم : الشحيح .

أغدر من الظالم ، وأي ظلم أظلم عند الله من الشح ; حلف الله تعالى بعزته ، وعظمته ، وجلاله لا يدخل الجنة شحيح ، ولا بخيل
وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت ، فإذا رجل متعلق بأستار الكعبة ، وهو يقول : بحرمة هذا البيت إلا غفرت لي ذنبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذنبك؟ صفه لي، قال: هو أعظم من أن أصفه لك، قال: ويحك! ذنبك أعظم أم الأرضون؟ قال: بل ذنبي أعظم يا رسول الله، قال: ويحك! فذنبك أعظم أم الجبال؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم البحار؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم السموات؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم العرش؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم الله؟ قال: بل الله أعظم وأعلى، قال: ويحك! فصف لي ذنبك، قال: يا رسول الله، إني رجل ذو ثروة من المال، وإن السائل ليأتيني ليسألني، فكأنما يستقبلني بشعلة من نار، فقال صلى الله عليه وسلم: إليك عني لا تحرقني بنارك ; فوالذي بعثني بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام، ثم صليت ألفي ألف عام، ثم بكيت حتى تجري دموعك الأنهار، وتسقي الأشجار، ثم مت، وأنت لئيم لأكبك الله في النار، ويحك! أما علمت أن البخل كفر، وأن الكفر في النار؟ ويحك! أما علمت أن الله تعالى يقول: ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون .

التالي السابق


(وقال جبير بن مطعم) بن عدي بن نوفل القرشي النوفلي (بينا نحن نسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعه الناس مقفلة) ، أي: مرجعة (من حنين) اسم واد بين مكة والطائف؛ (إذ علقت برسول الله صلى الله عليه وسلم الأعراب) ، وهم جفاة البوادي (يسألونه) متاع الدنيا (حتى اضطروه إلى سمرة) بفتح السين، وضم الميم، وهي شجرة أم غيلان (فخطفت رداءه، فوقف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أعطوني ردائي، أعطوني ردائي، لو كان لي عدد هذه العضاه) ، وهي أشجار البادية (نعما لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا، ولا كذابا، ولا جبانا) .

أخرجه البخاري، وقد تقدم في أخلاق النبوة.

(وقال عمر) - رضي الله عنه - (قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم قسما) لجماعة (فقلت: غير هؤلاء كانوا أحق به منهم، فقال: إنهم خيروني بين أن يسألوني بالفحش، أو يبخلوني) ، أي: ينسبونني إلى البخل (ولست ببخيل) ، وهو من يصدر عنه البخل ولو مرة، بخلاف البخيل كالرحيم، والراحم، وفيه نوع مبالغة كما لا يخفى .

أخرجه مسلم.

(وقال أبو سعيد الخدري) - رضي الله عنه -: (دخل رجلان على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألاه ثمن بعير فأعطاهما دينارين، فخرجا من عنده، فلقيهما عمر بن الخطاب) - رضي الله عنه - (فأثنيا) على رسول الله صلى الله عليه وسلم (وقالا معروفا، وشكرا ما صنع بهما، فدخل عمر) - رضي الله عنه - (على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما قالا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لكن فلان أعطيته ما بين عشرة إلى مائة، ولم يقل ذلك) ، أي: المعروف، وحسن الصنيع (إن أحدكم يسألني، فينطلق في مسألته متأبطها) ، أي: آخذها تحت إبطه (وهي نار، فقال عمر) - رضي الله عنه -: (فلم تعطهم ما هو نار؟ فقال: يأبون إلا أن يسألوني، ويأبى الله لي البخل) .

قال العراقي: رواه أحمد، وأبو يعلى، والبزار، ونحوه، ولم يقل أحمد [ ص: 195 ] أنهما سألاه ثمن بعير، ورواه البزار من رواية أبي سعيد، عن عمر، ورجاله ثقات. انتهى .

قلت: ورواه أيضا الحاكم، والضياء من حديث أبي سعيد، ورواه الحاكم أيضا من حديث جابر، وفيه: فينطلق بمسألته متأبطها، وما هي إلا نار، وفيه: قيل: لم تعطهم؟ قال: يأبون... الحديث (وعن ابن عباس) - رضي الله عنه - (قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الجود من جود الله تعالى، فجودوا) على خلق الله (يجد الله لكم) ، وهذا معنى قولهم: من جاد جاد الله عليه (ألا إن الله خلق الجود، فجعله في صورة رجل، وجعل أسه راسخا في أصل شجرة طوبى، وشد أغصانها بأغصان سدرة المنتهى، ودلى بعض أغصانها إلى الدنيا، فمن تعلق بغصن منها أدخله الجنة، ألا إن السخاء من الإيمان، والإيمان في الجنة، وخلق البخل من مقته) ، وهو أشد الغضب (وجعل أسه راسخا في أصل شجرة الزقوم، ودلى بعض أغصانها إلى الدنيا، فمن تعلق بغصن منها أدخله النار، ألا إن البخل من الكفر، والكفر في النار) .

قال العراقي: ذكره صاحب الفردوس، ولم يخرجه ولده في سنده، ولم أقف له على إسناد. انتهى .

قلت: بل أخرجه الخطيب في كتاب البخلاء بسند فيه أبو بكر النقاش صاحب مناكير، وقد تقدم قبل خمسة وثلاثين حديثا، حديث أبي هريرة، وهو يشبه حديث ابن عباس.

(وقال صلى الله عليه وسلم: السخاء شجرة تنبت في الجنة، فلا يلج الجنة إلا سخي، والبخل شجرة في النار، ولا يلج النار إلا بخيل) .

قال العراقي: تقدم دون قوله: فلا يلج في الجنة... إلخ، وذكره مع الزيادة صاحب الفردوس من حديث علي، ولم يخرجه ولده في سنده. انتهى .

قلت: الذي تقدم آنفا قبل ستة وثلاثين حديثا هو من حديث علي، وولده الحسين، وأبي هريرة، وجابر، وأبي سعيد، وعائشة، ومعاوية، وأنس، وأما بهذه الزيادة، فأخرجه الحسن بن سفيان في مسنده، والخطيب في كتاب البخلاء، وابن عساكر في التاريخ من حديث عبد الله ابن جراد.

(وقال أبو هريرة) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوفد بني لحيان: من سيدكم يا بني لحيان) بكسر اللام قبيلة من هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر، وقال الهمداني: لحيان من بقايا جرهم، ودخلت في هذيل (قالوا: سيدنا جد بن قيس) بن صخر بن خنساء بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة الأنصاري (إلا أنه رجل فيه بخل، فقال صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل، ولكن سيدكم عمرو بن الجموح) - بفتح الجيم، وتخفيف الميم - بن زيد بن حرام بن كعب بن غنم بن سلمة الأنصاري (وفي رواية) أخرى (أنهم قالوا: سيدنا جد بن قيس، فقال: بم تسودونه؟) ، أي: بأي وصف تجعلونه سيدا فيكم (قالوا: إنه أكثرنا مالا، وإنا على ذلك) ، أي: مع ذلك (لنزنه) ، أي: لنتهمه (على البخل) يقال: أزنه بكذا، أو على كذا إذا اتهمه به (فقال صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل؟ ليس ذلك سيدكم قالوا: فمن سيدنا يا رسول الله؟ قال: سيدكم بشر بن البراء) بن معرور بن صخر بن خنساء بن سنان الأنصاري بن عم الجد بن قيس الماضي ذكره .

قال العراقي: حديث أبي هريرة رواه الحاكم، وقال: صحيح على شرط مسلم بلفظ: يا بني سلمة، وقال: سيدكم بشر بن البراء ، وأما الرواية التي قال فيها: سيدكم عمرو بن الجموح ، فرواها الطبراني في الصغير من حديث كعب بن مالك بإسناد حسن. انتهى .

قلت: لفظ المصنف: من سيدكم يا بني لحيان؟ غريب، والثابت: يا بني سلمة، فإن المخاطب به هم، وقد تقدم أن بني لحيان من هذيل، فلا يطابق الخطاب، وكان الجد بن قيس قد ساد بني سلمة في الجاهلية، فحول النبي صلى الله عليه وسلم تلك السيادة إلى عمرو بن الجموح، وكلاهما من بني سلمة، وقد عزاه المصنف لأبي هريرة، وقد رواه الحاكم في المستدرك، وقال أبو الشيخ بإسناد غريب، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، ورواه أبو عروبة في الأمثال، وابن عدي في الكامل من طريق سعيد بن محمد الوراق، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، ولم ينفرد به سعيد الوراق، بل تابعه النضر بن شميل، عن الوليد بن أبان في كتاب السخاء، وأبو الشيخ في الأمثال، ومحمد بن علي عند الحاكم أيضا، وقد رواه أيضا جابر بن عبد الله الأنصاري.

أخرجه البخاري في الأدب المفرد، والسراج، وأبو الشيخ في الأمثال، وأبو نعيم في المعرفة من طريق حجاج الصواف، عن أبي الزبير، حدثنا جابر، قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: من سيدكم يا بني سلمة؟ قالوا: الجد بن قيس، على أنا نبخله، فقال: بهذه هكذا - ومد يده - وأي داء أدوأ من البخل؟ بل سيدكم عمرو بن الجموح.

قال: وكان عمرو يولم على رسول الله - صلى الله عليه [ ص: 196 ] وسلم - إذا تزوج .

وأخرج أبو نعيم في المعرفة، وفي الحلية، وأبو الشيخ أيضا، والبيهقي في الشعب، من طريق ابن عيينة ، عن ابن المنكدر، عن جابر نحوه، ورواه الوليد بن أبان في كتاب السخاء من طريق الأشعث بن سعيد، عن عمرو بن دينار، عن جابر نحوه، ورواه أبو نعيم من طريق حاتم بن إسماعيل، عن عبد الرحمن بن عطاء، عن عبد الملك بن جابر بن عتيك، عن جابر بن عبد الله نحوه، وقال فيه: بل سيدكم الأبيض الجعد عمرو بن الجموح، وقد روي أيضا من حديث أنس، أخرجه أبو الشيخ في الأمثال، والحسن بن سفيان في مسنده من طريق رشيد، عن ثابت، عنه مختصرا، ورواه الوليد بن أبان من طريق الثوري، عن حبيب بن أبي ثابت، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، وروى أبو خليفة، عن ابن عائشة، عن بشر بن المفضل، عن أبي شبرمة، عن الشعبي نحوه، قال ابن عائشة: فقال بعض الأنصار في ذلك:


وقال رسول الله والقول قوله لمن قال منا من تسمون سيدا     فقالوا له جد بن قيس على التي
نبخله منا وإن كان أسودا     فسود عمرو بن الجموح لجوده
وحق لعمرو بالندى أن يسودا     فلو كنت يا جد بن قيس على التي
على مثلها عمرو لكنت المسودا

ورواه الغلابي من طريق أخرى، عن الشعبي، وفيه الشعر، ورواه الوليد بن أبان من طريق عبد الله بن أبي ثمامة، عن مشيخة له من الأنصار نحوه، وفيه الشعر، وأما حديث كعب بن مالك الذي عزاه العراقي للطبراني في الصغير، فأخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه، وأبو الشيخ في الأمثال، والوليد بن أبان في كتاب الجود من طريق صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك، عن كعب بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سيدكم يا بني فضلة؟ قالوا: جد بن قيس، قال: بم تسودونه، فقالوا: إنه أكثرنا مالا، وإنا على ذلك لنزنه بالبخل، فقال: وأي داء أدوأ من البخل؟ ليس ذا سيدكم، فقالوا: من يا رسول الله؟ قال: بشر بن البراء بن معرور.

تابعه ابن إسحاق، عن الزهري، وقال في رواية: بل سيدكم الأبيض الجعد بشر بن البراء، وهكذا رواه يونس، وإبراهيم بن سعد، عن الزهري من رواية الأبرش عنه، وخالفه يعقوب بن إبراهيم بن سعد، فرواه عن أبيه مرسلا .

أخرجه ابن أبي عاصم، وكذا أرسله معمر ، وهو في مصنف عبد الرزاق، وفي مساوي الأخلاق للخرائطي، وابن أخي الزهري، عن عمه، وهو في الأمثال لأبي عروبة، وسمعته عن الزهري في نسخة أبي اليمان.

هكذا نقله الحافظ في الإصابة في ترجمة بشر.

قلت: وقد وجدت طريق معمر التي أشار إليها، قال الخرائطي في مكارم الأخلاق: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر ، عن الزهري، عن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لبني ساعدة: من سيدكم؟ قالوا: جد بن قيس، قال: بم سودتموه؟ قالوا: إنه أكثرنا مالا، وإنا على ذلك لنزنه بالبخل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأي داء أدوأ من البخل؟ قالوا: فمن سيدنا؟ قال: بشر بن البراء بن معرور.

(وقال علي) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يبغض البخيل) مانع الزكاة أو أعم (في حياته السخي عند موته) ; لأنه مضطر حينئذ لا مختار .

قال العراقي: ذكره صاحب الفردوس، ولم يخرجه ولده، ولم أجد له إسنادا. ا ه .

قلت: بل أخرجه الخطيب في كتاب البخلاء بسنده إلى علي - رضي الله عنه .

(وقال أبو هريرة) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: السخي الجهول أحب إلى الله من العابد البخيل) .

قال العراقي: رواه الترمذي بلفظ: ولجاهل سخي، وهو بقية حديث: إن السخي قريب من الله.

وتقدم. ا ه .

قلت: بل لفظ المصنف رواه الخطيب في كتاب البخلاء، والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة، إلا أن فيه العالم بدل: العابد .

(وقال أبو هريرة أيضا) - رضي الله عنه -: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يجتمع الإيمان والشح في قلب عبد) .

قال العراقي: رواه النسائي، وفي إسناده اختلاف. ا ه .

قلت: ورواه كذلك ابن جرير في التهذيب بزيادة: أبدا، وفي رواية له أيضا: في جوف رجل مسلم، وروى ابن عدي في الكامل من حديث عبد الغفور بن عبد العزيز بن سعد الأنصاري، عن أبيه، عن جده بلفظ: لا يجتمع الإيمان [ ص: 197 ] والبخل في قلب رجل مؤمن أبدا.

(وقال) صلى الله عليه وسلم (أيضا: خصلتان لا يجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق) .

رواه الترمذي من حديث أبي سعيد، وقد تقدم قبل هذا قريبا، فهو مكرر، وقع هكذا في سائر نسخ الكتاب .

(وقال صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن أن يكون بخيلا، ولا جبانا) .

قال العراقي: لم أره بهذا اللفظ. ا ه .

قلت: بل رواه هكذا هناد، والخطيب في كتاب البخلاء من حديث أبي جعفر معضلا، ورواه الخطيب من حديث أبي عبد الرحمن السلمي موقوفا .

(وقال صلى الله عليه وسلم: يقول قائلكم: الشحيح أغدر من الظالم، وأي ظلم أعظم عند الله من الشح; حلف الله بعزته، وعظمته، وجلاله لا يدخل الجنة شحيح، ولا بخيل) .

قال العراقي: لم أجده بتمامه، وللترمذي من حديث أبي بكر: لا يدخل الجنة بخيل. ا ه .

قلت: وروى الخطيب في كتاب البخلاء من حديث ابن عمر: الشحيح لا يدخل الجنة (وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يطوف بالبيت، فإذا رجل متعلق بأستار الكعبة، وهو يقول: بحرمة هذا البيت إلا غفرت) لي (ذنبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذنبك؟ صفه لي، قال: هو أعظم من أن أصفه لك، قال: ويحك! ذنبك أعظم أم الأرضون؟ قال: بل ذنبي أعظم يا رسول الله، قال: ويحك! فذنبك أعظم أم الجبال؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم البحار؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم السموات؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم العرش؟ قال: بل ذنبي يا رسول الله، قال: فذنبك أعظم أم الله؟ قال: بل الله أعظم وأعلى، قال: ويحك! فصف لي ذنبك، قال: يا رسول الله، إني رجل ذو ثروة من المال، وإن السائل ليأتيني ليسألني، فكأنما يستقبلني بشعلة من نار، فقال صلى الله عليه وسلم: إليك عني لا تحرقني بنارك; فوالذي بعثني بالهداية والكرامة لو قمت بين الركن والمقام، ثم صليت ألفي الف عام، ثم بكيت حتى تجري دموعك الأنهار، وتسقي الأشجار، ثم مت، وأنت لئيم لأكبك الله في النار، ويحك! أما علمت أن البخل كفر، وأن الكفر في النار؟ ويحك! أما علمت أن الله تعالى يقول: ومن يبخل، فإنما يبخل، عن نفسه ، ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ) .

قال العراقي: الحديث بطوله باطل لا أصل له .




الخدمات العلمية