الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

إتحاف السادة المتقين بشرح إحياء علوم الدين

مرتضى الزبيدي - محمد بن محمد الحسيني الزبيدي

صفحة جزء
فإن قلت : فقد نقل عن أقوام ترك العمل مخافة الشهرة .

روي أن إبراهيم النخعي دخل عليه إنسان وهو يقرأ فأطبق المصحف ، وترك القراءة ، وقال : لا يرى هذا أنا نقرأ كل ساعة .

وقال إبراهيم التيمي إذا أعجبك الكلام فاسكت ، وإذا أعجبك السكوت فتكلم .

وقال الحسن إن كان أحدهم ليمر بالأذى ما يمنعه من دفعه إلا كراهة الشهرة وكان أحدهم يأتيه البكاء فيصرفه إلى الضحك ؛ مخافة الشهرة .

وقد ورد في ذلك آثار كثيرة قلنا : هذا يعارضه ما ورد من إظهار الطاعات ممن لا يحصى ، وإظهار الحسن البصري هذا الكلام في معرض الوعظ أقرب إلى خوف الشهرة من البكاء وإماطة الأذى عن الطريق ثم لم يتركه .

وبالجملة : ترك النوافل جائز ، والكلام في الأفضل .

والأفضل إنما يقدر عليه الأقوياء دون الضعفاء ، فالأفضل أن يتمم العمل ، ويجتهد في الإخلاص ، ولا يتركه ، وأرباب الأعمال قد يعالجون أنفسهم بخلاف الأفضل لشدة الخوف فالاقتداء ينبغي أن يكون بالأقوياء .

وأما إطباق إبراهيم النخعي المصحف فيمكن أن يكون لعلمه بأنه سيحتاج إلى ترك القراءة عند دخوله ، واستئنافه بعد خروجه ؛ للاشتغال بمكالمته فرأى أن لا يراه في القراءة أبعد عن الرياء ، وهو عازم على الترك للاشتغال به ؛ حتى يعود إليه بعد ذلك . وأما ترك دفع الأذى فذلك ممن يخاف على نفسه آفة الشهرة ، وإقبال الناس عليه ، وشغلهم إياه عن عبادات هي أكبر من رفع خشبة من الطريق ، فيكون ترك ذلك للمحافظة على عبادات هي أكبر منها لا بمجرد خوف الرياء .

وأما قول التيمي : إذا أعجبك الكلام فاسكت ، يجوز أن يكون قد أراد به مباحات الكلام ، كالفصاحة في الحكايات وغيرها ؛ فإن ذلك يورث العجب .

التالي السابق


(فإن قلت: فقد نقل عن أقوام) من السلف (ترك العمل مخافة الشهرة) فمن ذلك (روي أن إبراهيم) بن يزيد (النخعي) رحمه الله تعالى (دخل عليه إنسان) وكان يقرأ في المصحف (فأطبق المصحف، وترك القراءة، وقال: لا يرى هذا أنا نقرأ كل ساعة، وقال إبراهيم) بن يزيد (التيمي) رحمه الله تعالى: (إذا أعجبك الكلام فاسكت، وإذا أعجبك السكوت فتكلم) أخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب الصمت، وقد تقدم في آفات اللسان .

(وقال الحسن ) البصري رحمه الله تعالى: (إن كان أحدهم) أي: من الذين أدركهم من السلف (ليمر بالأذى) في الطريق من خشبة وعذرة وحجر وشوك وغير ذلك (ما يمنعه رفعه) وإزالته (إلا كراهية الشهرة) بين الناس (وكان أحدهم يأتيه البكاء فيصرفه إلى الضحك؛ مخافة الشهرة) بين الناس. ورواه أبو نعيم في الحلية، من طريق هشام، عن الحسن (وقد ورد في ذلك آثار كثيرة) تدل على ترك العمل مخافة الشهرة.

(قلنا: هذا يعارضه ما ورد من إظهار الطاعات ممن لا يحصى، وإظهار الحسن البصري) رحمه الله تعالى (هذا الكلام في معرض الوعظ أقرب إلى خوف الشهرة من البكاء وإماطة الأذى عن الطريق يقل) ويندر (ثم لم يتركه) أي: لم يثبت عنه الترك .

(وبالجملة: ترك النوافل جائز، والكلام في الأفضل، والأفضل إنما يقدر عليه الأقوياء دون الضعفاء، فالأفضل أن يتمم العمل، ويجتهد في الإخلاص، ولا يتركه، وأرباب الأعمال قد يعالجون أنفسهم بخلاف الأفضل لشدة الخوف) وتمكنه منهم (فالاقتداء ينبغي أن يكون بالأقوياء .

وأما إطباق إبراهيم النخعي المصحف يمكن أن يكون لعلمه بأنه سيحتاج إلى ترك القراءة عند دخوله، واستئنافه بعد خروجه؛ للاشتغال بمكالمته) وإنجاح ما جاء لأجله (فرأى أن لا يراه في القراءة أبعد عن الرياء، وهو عازم على الترك للاشتغال به؛ حتى يعود إليه بعد ذلك .

وأما ترك رفع الأذى فذلك مما يخاف على نفسه آفة الشهرة، وإقبال الناس عليه، وشغلهم إياه عن عبادات هي أكبر من رفع خشبة عن الطريق، فيكون ترك ذلك للمحافظة على عبادات هي أكثر منها لا بمجرد خوف الرياء .

وأما قول إبراهيم التيمي: إذا أعجبك الكلام فاسكت، يجوز أن يكون قد أراد به مباحات الكلام، كالفصاحة في الخطاب وغيره؛ فإن ذلك يورث العجب) في النفس .




الخدمات العلمية