الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكل ما ورد في فضل العلم وذم الجهل فهو دليل على ذم الغرور ; لأن الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل ; إذ الجهل هو أن يعتقد الشيء ، ويراه على خلاف ما هو به والغرور هو جهل إلا أن كل جهل ليس بغرور ، بل يستدعي الغرور مغرورا فيه مخصوصا ، ومغرورا به ، وهو الذي يغره .

فمهما كان الجهول المعتقد شيئا يوافق الهوى ، وكان السبب الموجب للجهل شبهة ومخيلة فاسدة يظن أنها دليل ، ولا تكون دليلا سمي الجهل الحاصل به غرورا .

فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى ، ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان فمن اعتقد أنه على خير إما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور وأكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير ، وهم مخطئون فيه فأكثر الناس إذا مغرورون ، وإن اختلفت أصناف غرورهم واختلفت درجاتهم حتى كان غرور بعضهم أظهر وأشد من بعض ، وأظهرها وأشدها غرور الكفار ، وغرور العصاة والفساق ، فنورد لهما أمثلة لحقيقة الغرور .

التالي السابق


(وكل ما ورد في فضل العمل وذم الجهل فهو دليل على ذم الغرور; لأن الغرور عبارة عن بعض أنواع الجهل; إذ الجهل) في الأصل خلو النفس عن العلم، وقد جعله بعض معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النظام .

ثم هو نوعان: الأول (هو أن يعتقد الشيء، ويراه على خلاف ما هو به) وعليه، والثاني فعل الشيء بخلاف ما حقه أن يفعل به، اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أم فاسدا كتارك الصلاة عمدا، ومن أنواع الجهل الجهل بمعنى الذم، ومن أنواعه البسيط والمركب، (والغرور هو الجهل إلا أن كل جهل ليس بغرور، بل يستدعي الغرور مغرورا [ ص: 429 ] فيه مخصوصا، ومغرورا به، وهو الذي يغره، فمهما كان الجهول المعتقد شيئا يوافق الهوى، وكان السبب الموجب للجهل لشبهة ومخيلة فاسدة يظن أنها دليل، ولا تكون دليلا) في الحقيقة (سمي الجهل الحاصل به غرورا) فهو أخص من الجهل، (فالغرور هو سكون النفس إلى ما يوافق الهوى، ويميل إليه الطبع عن شبهة وخدعة من الشيطان) أشار إليه الراغب في المفردات، وصاحب القاموس في البصائر .

(فمن اعتقد أنه على خير ما في العاجل أو في الآجل عن شبهة فاسدة فهو مغرور) قد غره الشيطان بتلك الشبهة حين ألقاها في مخيلاته، وتدرج في تمكنها منه فيها حتى رسخت فأورثت اعتقاد الخيرية (وأكثر الناس يظنون بأنفسهم الخير، وهم مخطئون فيه) ، وسبب خطئهم قيام تلك الشبهة في ضمائرهم، وعدها دليلا (فأكثر الناس إذن مغرورون، وإن اختلفت أصناف غرورهم) ، وتنوعت (واختلفت درجاتهم) فيه، (حتى كان غرور بعضهم أظهر وأشد من) غرور (بعض، وأظهرها وأشدها غرور الكفار، وغرور العصاة والفساق، فنورد لهما أمثلة لحقيقة الغرور) بها تتضح تلك الحقيقة; فنقول:



الخدمات العلمية