الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد ذم الله تعالى المال ، والجاه وكذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذا ، العلماء ، قال تعالى : إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ، وقال عز وجل : إنما أموالكم وأولادكم فتنة وقال علي كرم الله وجهه في ذم النسب : الناس أبناء ما يحسنون وقيمة ، كل امرئ ما يحسنه وقيل : المرء بنفسه لا بأبيه فما معنى كونها نعمة مع كونها مذمومة شرعا ؟ فاعلم أن من يأخذ العلوم من الألفاظ المنقولة المؤولة ، والعمومات المخصصة ، كان الضلال عليه أغلب ما لم يهتد بنور الله تعالى إلى إدراك العلوم على ما هي عليه ، ثم ينزل النقل على وفق ما ظهر له منها ، بالتأويل مرة ، وبالتخصيص أخرى ، فهذه نعم معينة على أمر الآخرة لا سبيل إلى جحدها إلا أن فيها فتنا ومخاوف ، فمثال المال مثال الحية التي فيها ترياق نافع وسم نافع فإن أصابها المعزم : الذي يعرف وجه الاحتراز عن سمها وطريق استخراج ترياقها النافع كانت نعمة وإن أصابها السوادي الغر فهي عليه بلاء وهلاك وهو مثل البحر الذي تحته أصناف الجواهر واللآلئ ، فمن ظفر بالبحر فإن كان عالما بالسباحة وطريق الغوص وطريق الاحتراز عن مهلكات البحر فقد ظفر بنعمه وإن خاضه جاهلا بذلك فقد هلك : فلذلك مدح الله تعالى المال وسماه خيرا ومدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : نعم العون على تقوى الله تعالى المال وكذلك مدح الجاه والعز إذ من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أظهره على الدين كله ، وحببه في قلوب الخلق وهو المعني : بالجاه ولكن المنقول في مدحهما قليل ، والمنقول في ذم المال والجاه كثير ، وحيث ذم الرياء فهو ذم الجاه إذ الرياء مقصوده اجتلاب القلوب ، ومعنى الجاه ملك القلوب وإنما كثر هذا وقل ذاك لأن الناس أكثرهم جهال بطريق الرقية لحية المال ، وطريق الغوص في بحر الجاه ، فوجب تحذيرهم فإنهم يهلكون بسم المال قبل الوصول إلى ترياقه ، ويهلكهم تمساح بحر الجاه قبل العثور على جواهره ولو كانا في أعيانهما مذمومين ، بالإضافة إلى كل أحد ، لما تصور أن ينضاف إلى النبوة الملك كما كان لرسولنا صلى الله عليه وسلم ولا أن ينضاف إليها : الغنى كما كان لسليمان عليه السلام ، فالناس كلهم صبيان والأموال حيات والأنبياء والعارفون معزمون : فقد يضر الصبي ما لا يضر المعزم نعم المعزم لو كان له ولد ، يريد بقاءه وصلاحه ، وقد وجد حية ، وعلم أنه لو أخذها لأجل ترياقها لاقتدى به ولده وأخذ الحية إذا رآها ليلعب بها فيهلك فله غرض في الترياق ، وله غرض في حفظ الولد ، فواجب عليه أن يزن غرضه في الترياق بغرضه في حفظ الولد ، فإذا كان يقدر على الصبر عن الترياق ولا يستضر به ضررا كثيرا ولو أخذها لأخذها الصبي ويعظم ضرره بهلاكهم فواجب عليه أن يهرب عن الحية إذا رآها ويشير على الصبي بالهرب ويقبح صورتها في عينه ويعرفه أن فيها سما قاتلا لا ينجو منه أحد ولا يحدثه أصلا بما فيها من نفع الترياق ، فإن ذلك ربما يغره : فيقدم عليه من غير تمام المعرفة ، وكذلك الغواص إذا علم أنه لو غاص في البحر بمرأى من ولده لاتبعه وهلك .

فواجب عليه أن يحذر الصبي ساحل البحر والنهر فإن كان لا ينزجر الصبي بمجرد الزجر مهما رأى والده يحوم حول الساحل فواجب عليه أن يبعد من الساحل مع الصبي ولا ، يقرب منه بين يديه فكذلك الأمة في حجر الأنبياء عليهم السلام كالصبيان الأغبياء ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : إنما أنا لكم مثل الوالد لولده وقال صلى الله عليه وسلم إنما : تتهافتون على النار تهافت الفراش ، وأنا آخذ بحجزكم وحظهم الأوفر في حفظ أولادهم عن المهالك فإنهم لم يبعثوا إلا لذلك ، وليس لهم في المال حظ إلا بقدر القوت ، فلا جرم اقتصروا على قدر القوت ، وما فضل فلم يمسكوه بل أنفقوه فإن الإنفاق فيه الترياق وفي الإمساك السم ولو فتح للناس باب كسب المال ورغبوا فيه لمالوا إلى سم الإمساك ، ورغبوا عن ترياق الإنفاق فلذلك ، قبحت الأموال والمعنى به تقبيح إمساكها والحرص عليها ، للاستكثار منها ، والتوسع في نعيمها ، بما يوجب الركون إلى الدنيا ولذتها فأما أخذها بقدر الكفاية وصرف الفاضل إلى الخيرات فليس بمذموم ، وحق كل مسافر أن لا يحمل إلا بقدر زاده في السفر إذا صمم العزم على أن يختص بما يحمله فأما إذا سمحت نفسه بإطعام الطعام وتوسيع الزاد على الرفقاء فلا بأس بالاستكثار وقوله عليه الصلاة والسلام : ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب معناه لأنفسكم خاصة وإلا ، فقد كان فيمن يروي هذا الحديث ، ويعمل به من ، يأخذ مائة ألف درهم في موضع واحد ، ويفرقها في موضعه وألا ، يمسك منها حبة ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأغنياء يدخلون الجنة بشدة استأذنه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في أن يخرج عن جميع ما يملكه فأذن له ، فنزل جبريل عليه السلام وقال : مره بأن يطعم المسكين ، ويكسو العاري ، ويقري الضيف . الحديث .

التالي السابق


(وقد ذم الله تعالى المال، والجاه، وكذا رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذا العلماء، قال تعالى: إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم ، وقال تعالى: إنما أموالكم وأولادكم فتنة ) ، وقال صلى الله عليه وسلم: "ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه".

رواه أحمد والترمذي ، وقال: حسن صحيح، والدارمي والطبراني من حديث كعب بن مالك، وقد تقدم في كتاب ذم الجاه والبخل. (وقال علي رضي الله عنه في ذم النسب: الناس أبناء ما يحسنون، و) قال أيضا: (قيمة كل امرئ ما يحسنه) ، رواهما الشريف الموسوي في نهج البلاغة، وهما من جوامع كلمه، (وقيل: المرء بنفسه لا بأبيه) ، ومثله قول الآخر: الشرف بالهمم العالية لا بالرمم البالية، ومثله من إسجاع الحريري:


تبا لمفتخر بعظم نخر

(فما معنى كونها نعمة مع كونها مذمومة شرعا؟ فاعلم أن من يأخذ العلوم من الألفاظ المنقولة المؤولة، والعمومات المخصصة، كان الضلال عليه أغلب ما لم يهتد بنور الله تعالى إلى إدراك الأمور على ما هي عليه، ثم تنزيل النقل على وفق ما ظهر له، بالتأويل مرة، وبالتخصيص أخرى، فهذه) المذكورات (نعم معينة على أمر [ ص: 93 ] الآخرة لا سبيل إلى جحدها) وإنكارها (إلا أن فيها فتنا ومخاوف، فمثال المال) إذا نظرت إليه (مثال الحية التي فيها ترياق نافع) وذلك في لحمها ما عدا رأسها وذنبها، (وسم نافع) وذلك في أطرافها، (فإن أصابها المعزم) أي: صاحب العزيمة (الذي يعرف وجه الاحتراز عن سمها) ويتقيه (و) يعرف (طريق استخراج ترياقها النافع) بأن يمسكها من محل رقبتها، فيجمع بينه وبين ذنبها فيقطعهما بسكين حادة في ضربة واحدة، ثم يستقطر ما بقي من لحمها، فهذا هو الذي يدخل في الترياق (كانت نعمة) في حقه لأنه يقاوم المسمومات كلها، (وإن أصابها السوادي الغر) بكسر الغين المعجمة أي الغبي الجاهل بطرق عزائمها وإمساكها (فهي عليه بلاء وهلاك) فإنه لا يأمن أن تنطوي عليه فتنهشه، (وهو) أيضا (مثل البحر الذي تحته أصناف الجواهر واللآلئ، فمن ظفر بالبحر فإن كان عالما بالسباحة وطريق الغوص) فيه (وطريق الاحتراز عن مهلكات البحر) من حيوان وغيره (فقد ظفر بنعمه) وهي حوز الجواهر واللآلئ، (وإن خاضه جاهلا بذلك فقد هلك) أي: عرض نفسه للهلاك. (فلذلك مدح الله تعالى المال) في مواضع من كتابه العزيز (وسماه خيرا) وذلك قوله تعالى: إن ترك خيرا ، وقد ذكر المفسرون أن المراد به المال، (ومدحه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: نعم العون على تقوى الله المال) ، وقد تقدم قريبا. (وكذلك مدح الجاه والعز إذ من الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم بأن أظهره على الدين كله، وحببه في قلوب الخلق) أجمعين، (و) هذا (هو المعنى) أي: المقصود (بالجاه) .

(ولكن المنقول في مدحهما) أي: العز والجاه (قليل، والمنقول في ذم الجاه والمال كثير، وحيث ذم الرياء فهو ذم الجاه إذ الرياء مقصوده اجتلاب القلوب، ومعنى الجاه ملك القلوب) والاجتلاب والملك قريبان (وإنما كثر هذا) يعني ذم المال والجاه (وقل ذاك) يعني مدح العز والجاه (لأن الناس أكثرهم جهال بطريق الرقية لحية المال، وطريق الغوص في بحر الجاه، فوجب تحذيرهم فإنهم يهلكون بسم المال قبل الوصول إلى ترياقه، ويهلكهم تمساح بحر الجاه قبل العثور على جواهره) أي: الاطلاع والأخذ (ولو كانا في أعيانهما مذمومين، بالإضافة إلى كل أحد، لما تصور أن ينضاف إلى النبوة الملك) الذي لا يتم إلا بالمال والجاه، (كما كان لرسولنا صلى الله عليه وسلم ولا أن ينضاف إليها) أي: إلى النبوة (الغنى) فإنه كناية عن وفر المال (كما كان لسليمان عليه السلام، فالناس كلهم) في هذه الدار (صبيان) مغفلون (والأموال حيات) أي: بمنزلتها، (والأنبياء) عليهم السلام (والعارفون) من علماء الآخرة (معزمون) أي: أصحاب عزائم ورقى (فقد يضر الصبي ما لا يضر المعزم) لمعرفة ما له وعليه، فهؤلاء إذا تناولوا المال جرى مجرى راق يتناول الحية قد عرف نفعها وضررها، وأمن سمها وشرها، فيتحرون الوجه الذي ينتفعون به وينفع غيرهم، وغيرهم ليس كذلك، فما أسرع الهلاك إليه، فكما لا يجوز للجاهل بالرقية غير العارف بنفع الحية أن يقتدي بالراقي في تناول الحية والتصرف فيها، كذلك لا يجوز للجاهل أن يقتدي بالعارفين في تناول أعراض الدنيا .

(نعم المعزم لو كان له ولد، يريد بقاءه وإصلاحه، وقد وجد حية، وعلم أنه لو أخذها لأجل ترياقها لاقتدى به ولده وأخذ الحية إذا رآها ليلعب بها فيهلك وله غرض في) تحصيل (الترياق، وله غرض في حفظ الولد، فواجب عليه أن يزن غرضه في الترياق بغرضه في حفظ الولد، فإذا كان يقدر على الصبر من الترياق ولا يستضر به ضررا كثيرا ولو أخذها لأخذها الصبي ويعظم ضرره بهلاكه فواجب عليه أن يهرب عن الحية إذا رآها) ويرى ذلك [ ص: 94 ] للصبي (ويشير على الصبي بالهرب) من بين يديها (ويقبح صورتها في عينه ويعرفه) أنها عدوة ابن آدم (إن فيها سما قاتلا لا ينجو منه أحد) ولا يقبل دواء (ولا يحدثه أصلا بما فيها من نفع الترياق، فإن ذلك ربما يغره) أي: يوقعه في الغرور (فيقدم عليه من غير تمام المعرفة، وكذلك الغواص إذا علم أنه لو غاص في البحر بمرأى من ولده لاتبعه) وسلك طريقه (أو هلك فوجب عليه أن يحذر الصبي ساحل البحر والنهر) ويعرفه أن السلامة في الساحل، (فإن كان لا ينزجر الصبي بمجرد الزجر مهما رأى والده يحوم حول الساحل فواجب عليه أن يبعد عن الساحل مع الصبي، فلا يقرب منه بين يديه) أصلا، فيكون زجرا له كليا .

(فكذلك الأمة في حجر الأنبياء عليهم السلام كالصبيان والأغبياء، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: إنما أنا لكم مثل الوالد لولده) أي في الشفقة، والرحمة، وإرادة الخير، رواه مسلم من حديث أبي هريرة دون قوله لولده، وقد تقدم. (وقال صلى الله عليه وسلم: إنكم تتهافتون على النار تهافت الفراش، وأنا آخذ بحجزكم) .

قال العراقي : متفق عليه من حديث أبي هريرة بلفظ: "مثلي ومثل الناس"، ولفظ مسلم: "ومثل أمتي كمثل رجل استوقد نارا فجعلت الدواب والفراش يقعن فيه، فأنا آخذ بحجزكم، وأنتم تقحمون فيه"، ولمسلم من حديث جابر: "وأنا آخذ بحجزكم وأنتم تفلتون من يدي"، اهـ .

قلت: حديث أبي هريرة رواه أيضا أحمد والترمذي ، وفي لفظ بعضهم: "مثلي كمثل رجل استوقد نارا فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذه الدواب التي يقعن في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيقتحمن فيها"، وحديث جابر رواه أيضا الطيالسي وأحمد وأوله: "مثلي ومثلكم كمثل رجل استوقد نارا فجعل الفراش والجنادب يقعن فيها وهو يذبهن عنها".

(وحظهم الأوفر في حفظ أولادهم من المهالك فإنهم لم يبعثوا إلا لذلك، وليس لهم في المال حظ إلا بقدر القوت، فلا جرم اقتصروا على قدر القوت، وما فضل) عنه (فلم يمسكوه بل أنفقوه) في سبيله (فإن الإنفاق فيه هو الترياق) وفيه الشفاء (وفي الإمساك السم) وفيه الهلاك، (ولو فتح للناس باب كسب المال ورغبوا فيه لمالوا إلى سم الإمساك، ورغبوا عن ترياق الإنفاق، ولذلك قبحت الأموال والمعني به تقبيح إمساكها والحرص عليها، للاستكثار منها، والتوسع في نعيمها، بما يوجب الركون إلى الدنيا) والميل إلى أعراضها (ولذاتها) الحاصلة (فأما أخذها بقدر الكفاية وصرف الفاضل) منها (إلى الخيرات) الدينية (فليس بمذموم، وحق كل مسافر) في طريق بعيدة (أن لا يحمل إلا بقدر) ما يكفيه من (زاده في السفر إذا صمم العزم على أن يختص بما يحمله) لا يشاركه فيه غيره. (فأما إن سمحت نفسه بالطعام يطعمه) الغير (وتوسيع الزاد على الرفقاء فلا بأس بالاستكثار) منه (وقوله صلى الله عليه وسلم: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب) .

قال العراقي : رواه ابن ماجه والحاكم من حديث سلمان، لفظ الحاكم، وقال بلغة ومال مثل زاد الراكب، وقال صحيح الإسناد .

قلت: هو من رواية سفيان عن أشياخه غير مسمين، وقال ابن ماجه: عهد إلي أن يكفي أحدكم مثل زاد الراكب، اهـ .

قلت: ورواه كذلك أحمد وابن سعد وهناد وأبو يعلى وابن أبي الدنيا والروياني والبغوي والطبراني وابن حبان والبيهقي وابن عساكر والضياء، كلهم من حديث سلمان زادوا: حتى يلقاني، ورواه ابن عساكر من حديث عمر وأبي الدرداء، وفي لفظ لابن ماجه وابن حبان والطبراني من حديث سلمان: ليكف الرجل منكم زاد الراكب. وقد أخرجه أبو نعيم في الحلية، ونوع طرقه، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر حدثنا محمد بن شعيب التاجر حدثنا محمد بن عيسى الدامغاني حدثنا جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر قال: دخل سعد على سلمان يعوده، فقال: أبشر أبا عبد الله توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنك، قال: كيف يا سعد وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لتكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب. كذا رواه الدامغاني عن جرير عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر، وقال أبو [ ص: 95 ] معاوية وغيره عن الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه: حدثنا محمد بن أحمد أبو أحمد حدثنا عبد الله بن شيرويه حدثنا إسحاق بن راهويه حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي سفيان عن أشياخه أن سعد بن أبي وقاص دخل على سلمان يعوده، فبكى سلمان، فقال له سعد: ما يبكيك تلقى أصحابك، وترد على رسول الله صلى الله عليه وسلم الحوض، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنك راض، فقال: ما أبكي جزعا من الموت، ولا حرصا على الدنيا، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلينا فقال: ليكن بلغة أحدكم من الدنيا مثل زاد الراكب، وهذه الأساور حولي، وإنما حوله مطهرة أو أجانة ونحوها، فقال له سعد: أعهد علينا عهدا نأخذ به بعدك، فقال له: اذكر ربك عند همك إذا هممت، وعند حكمك إذا حكمت، وعند يدك إذا قسمت. رواه مورق العجلي والحسن البصري وسعيد بن المسيب وعامر بن عبد الله عن سلمان، حدثنا أبي حدثنا زكريا الساجي حدثنا هدية بن خالد، حدثنا حماد بن سلمة عن حبيب عن الحسن وحميد عن مورق العجلي: أن سلمان لما حضرته الوفاة بكى، فقيل له: ما يبكيك؟ فقال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب، قالا فلما مات نظروا في بيته فلم يروا في بيته إلا إكافا ووطاء ومتاعا قوم نحوا من عشرين درهما. وممن رواه عن الحسن السري بن يحيى والربيع بن صبيح والفضل بن دلهم ومنصور بن زاذان وغيرهم عن الحسن حدثنا أبو بحر محمد بن الحسن بن كوثر حدثنا بشر بن موسى حدثنا عبد الصمد بن حسان حدثنا السري بن يحيى عن الحسن قال: لما حضر سلمان الوفاة جعل يبكي، فقيل له: يا أبا عبد الله ما يبكيك، أليس فارقت رسول الله وهو عنك راض؟ فقال: والله ما بي جزع الموت، ولكن رسول الله عهد إلينا عهدا فقال: ليكن متاع أحدكم من الدنيا كزاد الراكب. وحديث سعيد بن المسيب حدثناه أبي قال حدثنا زكريا الساجي حدثنا هدبة بن خالد حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن سعيد بن المسيب أن سعد بن مالك وعبد الله بن مسعود دخلا على سلمان يعودانه فبكى، فقالا: ما يبكيك أبا عبد الله؟ فقال: عهد عهده إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يحفظه أحد منا قال: ليكن بلاغ أحدكم كزاد الراكب. وحديث عامر بن عبد الله حدثناه أبو عمرو بن حمدان حدثنا الحسن بن سفيان حدثنا حرملة بن يحيى حدثنا ابن وهب، قال أخبرني أبو هانئ عن أبي عبد الرحمن الفيلي عن عامر بن عبد الله عن سلمان الخير أنه حين حضره الموت عرفنا به بعض الجزع، فقالوا: ما يجزعك أبا عبد الله وقد كان لك سابقة في الخير، شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنة وفتوحا عظاما؟ فقال: يحزنني أن حبيبي محمدا صلى الله عليه وسلم عهد إلينا حين فارقنا فقال: ليكف المؤمن كزاد الراكب، فهذا الذي أحزنني، قال: فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا، قال عامر بن عبد الله: دينارا، واتفق الباقون على بضعة عشر درهما. ورواه أنس بن مالك عن سلمان حدثناه عبد الله بن محمد بن جعفر، حدثنا أحمد بن عمر والبزاز حدثنا الحسن بن أبي الربيع الجرجاني حدثنا عبد الرزاق حدثنا جعفر بن سليمان عن ثابت البناني عن أنس بن مالك قال: دخلت على سلمان فقلت له: لم تبكي؟ فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي عهدا أن يكون زادك في الدنيا كزاد الراكب. حدثنا سليمان بن أحمد حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي، حدثني محمد بن عبيد بن ميمون الجدعاني، حدثنا عتاب بن بشير عن علي بن بذيمة قال: بيع متاع سلمان فبلغ أربعة عشر درهما .

(معناه لأنفسكم خاصة، وإلا فقد كان فيمن يروي هذا الحديث، ويعمل به، يأخذ مائة ألف درهم في موضع واحد، ويفرقها في موضعه، ولا يمسك منها حبة) وكأنه يشير إلى ما رواه أبو نعيم في الحلية عن أبي بكر بن مالك حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل حدثني أبي حدثنا سيار حدثنا جعفر حدثنا هشام حدثنا الحسن قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف درهم، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب الناس في عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها، وإذا خرج عطاؤه أمضاه، ويأكل من سفيف يده. وروى أحمد في الزهد من طريق عبد الله بن بريدة قال: كان سلمان يعمل بيديه، فإذا أصاب شيئا اشترى به لحما أو سمكا ثم يدعو المجذمين فيأكلونه معه. (ولما ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأغنياء [ ص: 96 ] يدخلون الجنة بشدة استأذنه عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه) وكان من أغنياء الصحابة (في أن يخرج من جميع ما يملكه فأذن له، فنزل جبريل عليه السلام وقال: مره بأن يطعم المسكين، ويكسو العاري، ويقري الضيف. الحديث) .

قال العراقي : رواه الحاكم من حديث عبد الرحمن بن عوف، وقال: صحيح الإسناد، قلت: كلا فيه خالد بن أبي مالك ضعيف جدا، اهـ .

قلت: أخرجه أبو نعيم في الحلية فقال: حدثنا محمد بن علي بن حبيش حدثنا جعفر بن محمد الفريابي حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا خالد بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه عن عطاء بن أبي رباح عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: يا ابن عوف إنك من الأغنياء، ولن تدخل الجنة إلا زحفا، فأقرض الله يطلق لك قدميك، قال ابن عوف: وما الذي أقرض الله؟ قال: تتبرأ مما أمسيت فيه، قال: من كله أجمع يا رسول الله؟ قال: نعم، فخرج ابن عوف وهو يهم بذلك، فأتاه جبريل فقال: مر ابن عوف فليضف الضيف، وليطعم المسكين، وليعط السائل، فإذا فعل ذلك كانت كفارة لما هو فيه.




الخدمات العلمية