الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن هذا يستحب تلقين الميت بعد الدفن والدعاء له قال سعيد بن عبد الله الأودي شهدت أبا أمامة الباهلي وهو في النزع فقال : يا سعيد إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول : يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة الثانية فإنه يستوي قاعدا ، ثم ليقل : يا فلان ابن فلانة الثالثة فإنه يقول : أرشدنا يرحمك الله ، ولكن لا تسمعون فيقول له اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا وبالقرآن إماما ، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما فيقول : انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا ، وقد لقن حجته ، ويكون الله عز وجل حجيجه دونهما فقال رجل : يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه ؟ قال : فلينسبه إلى حواء .

ولا بأس بقراءة القرآن على القبور .

التالي السابق


(ومن هذا يستحب تلقين الميت بعد الدفن والدعاء له) بالتثبيت، قال الحكيم في نوادر الأصول: الوقوف على القبر وسؤال التثبيت في وقت الدفن مدد للميت بعد الصلاة; لأن الصلاة بجماعة المؤمنين كالعسكر له، وقد اجتمعوا بباب الملك يشفعون له والوقوف على القبر وسؤال التثبيت في وقت الدفن مدد للعسكر وذلك ساعة شغل الميت; لأنه يستقبل هول المطلع وسؤال الفتانين (وقال سعيد بن عبد الله الأودي) من بني أود بن سعد العشيرة، وفي بعض النسخ الأزدي فإن كان كذلك فهو سعيد بن عبد الله بن ضرار بن الأزور، وضرار بن الأزور أسدي ويقال في الأزدي الأسدي وسعيد ضعيف كما تقدم (شهدت أبا أمامة) صدي بن عجلان الباهلي -رضي الله عنه- (وهو في النزع فقال: يا سعيد إذا مت فاصنعوا بي كما أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إذا ما مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره ثم يقول: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع ولا يجيب) أي: لا يستطيع الجواب (ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة) المرة (الثانية فإنه يستوي قاعدا، ثم ليقل: يا فلان ابن فلانة) المرة (الثالثة فإنه يقول: أرشدنا يرحمك الله، ولكن لا تسمعون) وفي لفظ: لا تشعرون (فيقول) وفي لفظ: فليقل (له اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وأنك رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا وبالقرآن إماما، فإن منكرا ونكيرا يتأخر كل واحد منهما) .

وفي لفظ: يأخذ كل واحد منهما بيد صاحبه (فيقول: انطلق بنا ما يقعدنا عند هذا، وقد لقن حجته، ويكون الله -عز وجل- حجيجه دونهما) وفي لفظ: ولكن الله حجته دونهم، (فقال رجل: يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه؟ قال: فلينسبه إلى حواء) أي: فليقل: يا فلان ابن حواء، قال العراقي: رواه الطبراني بسند ضعيف. اهـ .

قلت: لعله لمكان سعيد بن عبد الله إن كان هو ابن ضرار فقد قال أبو حاتم: إنه ليس يقوى، نقله الذهبي هكذا رواه الطبراني في الكبير وفي كتاب الدعاء وابن منده في كتاب الروح وابن عساكر والديلمي، ورواه ابن منده من وجه آخر عن أبي أمامة قال: إذا مت فدفنتموني فليقم إنسان عند رأسي فليقل: يا صدي بن عجلان اذكر ما كنت عليه في الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ورواه ابن عساكر من وجه آخر عن أبي أمامة رفعه: إذا مات الرجل منكم فدفنتموه فليقم أحدكم عند رأسه فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه يسمع فليقل: يا فلان بن فلانة فإنه يستوي قاعدا فليقل: يا فلان ابن فلانة فإنه سيقول له: أرشدني يرحمك الله، فليقل: اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله باعث من في القبور، فإن منكرا ونكيرا عند ذلك يأخذ كل واحد بيد صاحبه ويقول: قم ما نصنع عند رجل لقن حجته، فيكون الله تعالى حجيجهما دونه وما ورد في الأخبار والآثار من التلقين ما رواه البزار عن علي بن أبي طالب، قال: إذا بلغت الجنازة القبر فجلس الناس فلا تجلس، ولكن قم على شفير القبر فإذا أدلي في قبره فقل: بسم الله، وفي سبيل الله، وعلى ملة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اللهم عبدك نزل بك وأنت خير منزول به خلف الدنيا خلف ظهره فاجعل ما قدم عليه خيرا مما خلف، فإنك قلت: وما عند الله خير للأبرار وروى ابن أبي شيبة عن قتادة أن أنسا دفن ابنا له فقال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه، وافتح أبواب السماء لروحه، وأبدله دارا خيرا من داره، وروى سعيد بن منصور عن أنس أنه كان إذا وضع الميت في قبره، قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيه وصعد روحه وتقبله وتلقه منك بروح، وروى ابن ماجه والبيهقي في السنن عن ابن المسيب قال: حضرت ابن عمر في جنازة ابن له فلما وضعها في اللحد قال: بسم الله وفي سبيل الله، فلما أخذ في تسوية اللحد قال: اللهم أجرها من الشيطان ومن عذاب القبر فلما سوى الكثيب عليها قام جانب القبر، ثم قال: اللهم جاف الأرض عن جنبيها وصعد روحها ولقها منك رضوانا، ثم قال: سمعت من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد أنه كان يقرأ بسم الله وفي سبيل الله اللهم أفسح له في قبره ونور له فيه وألحقه بنبيه، وروى الحكيم عن عمرو بن مرة قال: كانوا يستحبون إذا وضع الميت في اللحد، اللهم أعذه من الشيطان الرجيم، وروى [ ص: 369 ] ابن أبي شيبة عن خيثمة، قال: كانوا يستحبون إذا دفنوا الميت أن يقولوا: بسم الله، وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله اللهم أجره من عذاب القبر وعذاب النار ومن شر الشيطان الرجيم، وروى سعيد بن منصور عن ابن مسعود، قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقف على القبر بعد ما يسوى عليه، فيقول: اللهم نزل بك صاحبنا وخلف الدنيا خلف ظهره، اللهم ثبت عند المسألة منطقه ولا تفتنه في قبره بما لا طاقة له به، وروى سعيد بن منصور عن راشد بن سعد وضمرة بن حبيب وحكيم بن عمير قالوا: إذا سوى على قبره وانصرف الناس عنه كان يستحب أن يقال للميت عند قبره: يا فلان قل: لا إله إلا الله ثلاث مرات يا فلان قل: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد، صلى الله عليه وسلم، ثم ينصرف وقال أبو بكر الآجري: يستحب الوقوف بعد الدفن قليلا والدعاء للميت مستقبلا وجهه بالثبات فيقال: اللهم هذا عبدك وأنت أعلم به منا ولا نعلم منه إلا خيرا أو قد أجلسته لتسأله: اللهم فثبته بالقول الثابت في الآخرة كما ثبته في الدنيا: اللهم ارحمه وألحقه بنبيه، ولا تفتنا بعده، ولا تحرمنا أجره، وروى ابن سعد في الطبقات قال: قال لي النزال بن سبرة: إذا أدخلتني قبري فقل: اللهم بارك في هذا القبر، وفي داخله، وروى ابن أبي شيبة عن أنس: كان إذا سوى على الميت قبره قام عليه فقال: اللهم عبدك رد إليك فارأف به وارحمه، اللهم جاف الأرض عن جنبيه وافتح أبواب السماء لروحه، وتقبله منك بقبول حسن، اللهم إن كان محسنا فضاعف له في إحسانه، أو قال: فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عنه (ولا بأس بقراءة القرآن على القبر) وفي نسخة: القبور، قال السيوطي في شرح الصدور: وأما قراءه القرآن على القبر فجزم بمشروعيتها أصحابنا وغيرهم، قال الزعفراني: سألت الشافعي عن القراءة عند القبر، فقال: لا بأس به، وقال النووي في شرح المهذب: يستحب لزائر القبور أن يقرأ ما تيسر من القرآن، ويدعو لهم عقبها، نص عليه الشافعي، واتفق عليه الأصحاب، زاد في موقع آخر وإن ختموا القرآن على القبر كان أفضل. انتهى .

وقد سئل الشمس محمد بن علي بن محمد بن عيسى العسقلاني الكناني السمنودي الشافعي عرف بابن القطان المتوفى في سنة 813، وهو من مشايخ الحافظ ابن حجر عن مسائل فأجاب، ومنها: وهل يصل ثواب القراءة للميت أو لا؟ فأجاب عنها في رسالة سماها القول بالإحسان العميم في انتفاع الميت بالقرآن العظيم، وأنا أذكر منها هنا ما يليق بالمقام مع الاختصار .



قال رحمه الله تعالى: اختلف العلماء في ثواب القراءة للميت فذهب الأكثرون إلى المنع وهو المشهور من مذهب الشافعي ومالك، ونقل عن جماعة من الحنفية وقال كثيرون منهم: يصل وبه قال الإمام أحمد بعد أن قال: القراءة على القبر بدعة، بل نقل عنه أنه يصل إلى الميت كل شيء من صدقة وصلاة وحج وصوم واعتكاف وقراءة، وذكر غير ذلك، ونقل ذلك عن جماعة من السلف، ونقل عن الشافعي انتفاع الميت بالقراءة على قبره، واختاره شيخنا شهاب الدين بن عقيل وتواتر أن الشافعي زار الليث وأثنى عليه خيرا، وقرأ عنده ختمة، وقال: أرجو أن تدوم فكان الأمر كذلك، وقد أفتى القاضي حسين بأن الاستئجار للقراءة على رأس القبر جائز كالاستئجار للأذان وتعليم القرآن، قال النووي في زيادات الروضة: ظاهر كلامه صحة الإجارة مطلقا وهو المختار فإن موضع القراءة موضع بركة وتنزل الرحمة، وهذا مقصود: ينفع الميت قال الرافعي وتبعه النووي عود المنفعة إلى المستأجر شرط في الإجارة فيجب عود المنفعة في هذه الإجارة إلى المستأجر أو ميته لكن المستأجر لا ينتفع بأن يقرأ الغير له ومشهور أن الميت لا يلحقه ثواب القراءة المجردة، فالوجه تنزيل الاستئجار على صورة انتفاع الميت بالقراءة أقرب إجابة وأكثر بركة، وقال في كتاب الوصية: الذي يعتاد من قراءة القرآن على رأس القبر، قد ذكرنا في باب الإجارة طريقين عود فائدتها إلى الميت، وعن القاضي أبي الطيب طريق ثالث، وهو أن الميت كالحي الحاضر فيرجى له الرحمة ووصول البركة إذا أهدي الثواب إلى القارئ، وعبارة الروضة: إذا أوصل الثواب إلى القارئ انتهى، وعن القاضي أبي الطيب الثواب للقارئ والميت كالحاضر فترجى له الرحمة والبركة، وقال عبد الكريم الشالوسي: القارئ إن نوى بقراءته أن يكون ثوابها للميت لم يلحقه إذ جعل ذلك قبل حصوله وتلاوته عبادة البدن فلا تقع عن الغير، وإن قرأ، ثم جعل ما حصل من الثواب للميت ينفعه إذ قد جعل من الأجر لغيره والميت يؤجر بدعاء الغير، وقال القرطبي: وقد استدل بعض علمائنا على قراءة القرآن على القبر بحديث العسيب الرطب الذي [ ص: 370 ] شقه النبي -صلى الله عليه وسلم- باثنين، ثم غرس على قبر نصفا وعلى قبر نصفا، وقال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا. رواه الشيخان، قال: ويستفاد من هذا غرس الأشجار وقراءة القرآن على القبور، وإذا خفف عنهم بالأشجار فكيف بقراءة الرجل المؤمن القرآن، وقال النووي: استحب العلماء قراءة القرآن عند القبر، واستأنسوا لذلك بحديث الجريدتين، وقالوا: إذا وصل النفع إلى الميت بتسبيحهما حال رطوبتهما فانتفاع الميت بقراءة القرآن عند قبره أولى فإن قراءة القرآن من إنسان أعظم وأنفع من التسبيح من عود، وقد نفع القرآن بعض من حصل له ضرر في حال الحياة، فالميت كذلك، قالابن الرفعة: الذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت وتخفيف ما هو فيه نفعه; إذ ثبت أن الفاتحة لما قصد بها القارئ نفع الملدوغ نفعته، وأقر النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك بقوله: وما يدريك أنها رقية؟ وإذا نفعت الحي بالقصد كان نفع الميت بها أولى; لأن الميت يقع عنه من العبادات بغير إذنه ما لا يقع من الحي، نعم يبقى النظر في أن ما عدا الفاتحة من القرآن الكريم إذا قرئ وقصد به ذلك هل يلتحق به؟ انتهى، نعم، يلتحق به فروى ابن السني من حديث ابن مسعود أنه قرأ في أذن مبتلى فأفاق، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ما قرأت في أذنه، قال: قرأت أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا حتى فرغت من آخر السورة، فقال، صلى الله عليه وسلم: لو أن رجلا قرأ بها على جبل لزال، ومثل ذلك ما جاء به في القراءة بالمعوذتين والإخلاص وغير ذلك، وفي الرقية بالفاتحة دليل على صحة الإجارة والجعالة لينتفع بها الحي فكذلك الميت، ومما يشهد لنفع الميت بقراءة غيره حديث معقل بن يسار: اقرءوا على موتاكم. رواه أبو داود، وحديث: اقرءوا "يس" على موتاكم.

رواه النسائي وابن ماجه وابن حبان، وحديث: "يس" ثلث القرآن لا يقرؤها رجل يريد الله والدار الآخرة إلا غفر له فاقرءوها على موتاكم، رواه أحمد، وأول جماعة من التابعين القراءة للميت بالمحتضر، والتأويل خلاف الظاهر، ثم يقال عليه: إذا انتفع المحتضر بقراءة "يس" وليس من سعيه فالميت كذلك، والميت كالحي الحاضر يسمع كالحي الحاضر كما ثبت في الحديث، انتهى ما نقلته من كلام ابن القطان.




الخدمات العلمية