الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الأصل التاسع .

أنه ليس يستحيل بعثة الأنبياء عليهم السلام خلافا للبراهمة حيث قالوا لا فائدة في بعثتهم إذ في العقل مندوحة عنهم لأن العقل لا يهدي إلى الأفعال المنجية في الآخرة كما لا يهدي إلى الأدوية المفيدة للصحة فحاجة الخلق إلى الأنبياء كحاجتهم إلى الأطباء ولكن يعرف صدق الطبيب بالتجربة ويعرف صدق النبي بالمعجزة .

التالي السابق


(الأصل التاسع أنه ليس يستحيل) إرسال الرسل و (بعثة الأنبياء عليهم السلام) مبشرين ومنذرين; فهي جائزة عقلا وواقعة شرعا (خلافا للبراهمة) والصابئة، والبراهمة طائفة من حكماء الهند، يزعمون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام (حيث قالوا) باستحالة النبوات عقلا، هكذا هو في كتاب الإرشاد لإمام الحرمين، واللمع له أيضا، وأبكار الأفكار للآمدي، ومن كتب الماتريدية العمدة للنسفي، والبداية للصابوني، وغير هؤلاء .

وظاهر كلام الآمدي في غاية المرام يقتضي أن القائل بذلك بعض البراهمة; فإنه بعد أن نقل عن البراهمة والصابئة القول بامتناع البعثة قال: إلا أن من البراهمة من اعترف برسالة آدم لا غير، ومنهم من لم يعترف بغير إبراهيم. اهـ .

قالوا: (لا فائدة في بعثتهم) وإرسالهم (إذ في العقل مندوحة عنهم) أي: سعة وغنية، من ندحت الشيء: وسعته، أي: إن كان ما جاءت به الرسل مما يدرك بالعقول لم يكن في إرسالهم فائدة، وكان في قضايا العقول مندوحة عنهم، وإن كان ما جاءت به غير مدرك بالعقل فلا يتقبل ما يخالف العقل; إذ هو حجة الله على خلقه. وهذا باطل من وجوه، الأول هو ما أشار إليه المصنف بقوله: (لأن العقل لا يهدي) وفي بعض النسخ "لا يهتدي"، في الموضعين (إلى الأفعال المنجية في الآخرة) أي أن حظ العقل منه الجواز، وأما الوقوع فيوجد من [ ص: 198 ] الشرع; فإن الحاجة إلى الرسل للإنباء عما بعد الموت من الحشر والنشر والثواب والعقاب والخلود في الدارين، وحظ العقول من ذلك الجواز فقط (كما لا يهدى إلى الأدوية المفيدة للصحة) من المسمومات المهلكة إلا بالطبيب العارف بها; ليميزها ويوقف عليها (فحاجة الخلق إلى الأنبياء) عليهم السلام (كحاجتهم إلى الأطباء) ; إذ الرسالة سفارة بين الحق تعالى وبين عباده; ليزيح بها عللهم فيما قصرت عنه عقولهم (ولكن يعرف صدق الطبيب بالتجربة) الصحيحة (ويعرف النبي بالمعجزة) الخارقة .

والوجه الثاني أن العقل وإن دل على اعتبار المصالح والمفاسد لا يستقل بإدراك كل الأمور، لا سيما عند تعارضها، بل يدرك البعض استقلالا، ويقصر عن إدراك البعض، فلا يهتدي إليه بوجه، ويتردد في البعض، فما استقل بإدراكه - كوجود الباري وعلمه وقدرته- عضده ما جاء به النبي وأكده، فكان ذلك بمنزلة تعاضد الأدلة العقلية، وما قصر عنه - كالرؤية والمعاد الجسماني، وقبح الصوم يوم كذا وحسنه في يوم كذا- بينه النبي لقصور العقل عن إدراك ما ذكر، وما تردد فيه العقل دون رجحان لأحد الطرفين عنده رفع الاحتمال فيه، كشكر المنعم قبل ورود الشرع; إذ يحتمل أن يمنع من الإتيان به; لأنه تصرف في ملك الله سبحانه بغير إذن منه، ويحتمل أن يمنع من تركه لكونه ترك طاعة، وإن غلب ظن حسنه وكان قبحه متوهما قطع ما جاء به النبي مزاحمة الوهم فيه العقل .

والوجه الثالث: ولو سلمنا أن العقول تستقل بدركه جدلا فما المانع من إنبائهم بذلك للتنبيه على الغافلين، والعقلاء مجمعون على تكرير المواعظ .

والوجه الرابع: أن العقول تتفاوت، فقد تستحسن جماعة فعلا، ويستقبحه آخرون، فالتفويض إليها يؤدي إلى فساد التقاتل والخراب للتنازع المؤدي إليهما، والنهي المخبر به عنه النبي يحسم هذه المادة، هذا وقد عرف مما سقناه من فوائد البعثة من الاهتداء إلى ما ينجي في الآخرة، وبيان ما يقصر العقل عن دركه، وتعاضد الشرع والعقل فيما أدركه العقل، والتذكير والتنبيه ورفع الاحتمال فيما تردد فيه العقل، وهذا القدر كاف في الرد على منكري البعثة، كالبراهمة والصابئة، حيث قالوا: لا فائدة فيها. مع أن من فوائد البعثة تكميل النفوس البشرية بحسب استعداداتها المختلف في العلميات والعمليات، وتعليم الأخلاق الفاضلة المتعلقة بصلاح الأشخاص والسياسات الكاملة المتعلقة بصلاح الجماعات من أهل المنازل والمدن، وبيان منافع الأغذية والأدوية ومضارها التي لا تفي بها التجربة إلا بعد أدوار وأطوار، مع ما فيها من الحظر، وما أورد المنكرون من أن البعث يتوقف على علم المبعوث بأن الباعث له هو الله تعالى، ولا سبيل له إليه، إذ لعله من إلقاء الجن، فممنوع، وسند المنع أولا أنه قد ينصب الباعث تعالى للمبعوث دليلا يعلم به أن الباعث هو الله تعالى، بأن يظهر له آيات ومعجزات ليس مثلها في شأن مخلوق، تفيده هذا العلم، وثانيا: قد يخلق للمبعوث علم ضروري بأن الباعث له هو الله تعالى .



(فصل)

قال شارح الحاجبية: اتفق أهل السنة والجماعة على أن بعثة الأنبياء جائزة عقلا، وواقعة قطعا، ثم في ذلك الوقوع حكمة بالغة، ورحمة للعالم، شاملة أن حصول النبوة لمن حصلت له بمجرد الاصطفاء الإلهي لا غير، أما أنها جائزة عقلا فلأنه أمر لا يلزم منه محال لذاته، وكل ما هو كذلك فهو جائز قطعا، أما الكبرى فمعلومة بالضرورة، والصغرى كذلك، ومن ادعى الإحالة للغير فالأصل عدمه، وعليه بيانه، وأيضا الوقوع والعلم به ضروري تواترا ومشاهدة، حتى من أنكر فهو مباهت كافر، ليس معه كلام إلا ضرب عنقه لما انتهت إليه المسألة من الوضوح، وأما أن وقوع بعثة الأنبياء لحكمة بالغة ورحمة شاملة فذلك واضح، أما من حيث النظر الفكري ومرتبة الأشعري بعد أن تعلم أن حصول المصالح لوقوع الألطاف عقب شيء يقع في الوجود إنما هو بمحض الكرم والفضل والجود، ولو شاء لم يكن، ولكن سبقت الكلمة الإلهية بذلك، وجرت السنة الربانية على مقتضى ما هنالك، سواء أدرك ذلك العقل بنظره أو فهمه من غيره، فهو من وجوه كثيرة، فلنقتصر على أكثرها ذكرا، وأجمعها، وهي ثلاث:

[ ص: 199 ] أحدها أن الشؤون الإلهية من الأسماء والصفات في غاية الخفاء عن العقل، والصعوبة على الفهم، تصورا وتصديقا، خصوصا الأسماء والصفات التي لا دلالة للآثار عليها، ولما كان كذلك كان من حكمة الله وسعة رحمته وخفي لطفه أن بعث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فأنبؤوا بإنباء الله تعالى عن تلك الشؤون، وفصلوا ذلك بعض تفصيل يطيق العقل إدراكه، حتى وقف على ذلك تصورا وتصديقا، وحصل له الكمال لعلم ذلك توفيقا أو تحقيقا .

ثانيها: أن العقل قاصر بنظره عن إدراك وقوع جائز، وإن أدرك جوازه، والكلام إنما هو في العلم بالوجود، لا في الجواز; إذ الجواز على الإجمال من سبيل الضرورة، والكمال إنما هو في تحصيل العلم النظري، فإذا كان العقل قاصرا عن إدراك الوقوع جاءت الأنبياء عليهم السلام منبئين عن وقوع كثير من الجائزات التي حصل الكمال بعلمها، كتفصيل أحوال المعاد ووقوعه، خصوصا ما وقع من ذلك في نبوة نبينا صلى الله عليه وسلم .

ثالثها: أن الأحوال العارضة للإنسان لما كانت تنقسم بحسب الموافقة والمنافرة إلى خير وشر، وبحسب ذلك تختلف السعادة والشقاوة بحسب المواطن الثلاث دنيا وبرزخ وأخرى، وكان المقصود من الخير تحصيله، ومن الشر تفويته، وتحصيل الشيء أو تفويته فرع العلم به، وكان العلم بالخير والشر في غاية الخفاء، بل لا مجال للعقل في ذلك عندنا; إذ الخير هو الحسن، والشر هو القبح، وقد تقدم أن ذلك بحسب تعلق الخطاب الإلهي لا غير، ولما كان كذلك بعث الله الأنبياء عليهم السلام، فأنبؤوا عن خير الأحوال في المواطن الثلاث، فأمروا به ورغبوا فيه، وعن شر الأحوال كذلك، فنهوا عنه وحذروا منه. اهـ .



(فصل)

اعلم أن البعثة لطف من الله تعالى، ورحمة للعالمين; لما فيها من حكم ومصالح لا تحصى; فإن النظام المؤدي إلى إصلاح حال النوع على العموم في المعاش والمعاد لا يكمل إلا ببعثة الأنبياء، فتجب على الله تعالى عقلا عند المعتزلة والشيعة; لأنها من اللطف المقرب للإيمان، واللطف واجب عندهم على الله عز وجل، وعند الفلاسفة; لكونها سببا للخير العام المستحيل تركه في الحكمة والعناية الإلهية، وإلى هذا ذهب كثير من الماتريدية من أهل ما وراء النهر، وقالوا: إنها من مقتضيات حكمة الباري; فيستحيل ألا يوجد، كاستحالة السفه عليه، كما أن ما علم الله وقوعه يجب أن يقع; لاستحالة الجهل عليه، وهذا المقول هو معنى قول المعتزلة بوجوب البعثة، أو بوجوب الأصلح، والمختار أنها لطف من الله تعالى، ورحمة من بها على عباده يحسن فعلها، ولا يقبح تركها، ولا يبتنى على استحقاق من المبعوث واجتماع شروط فيه، كما زعمه الفلاسفة، بل الله يختص برحمته من يشاء، وهو أعلم حيث يجعل رسالاته، كما في شرح المقاصد; ومن هنا حملنا الوجوب وظاهره استحالة تخلفه، على خلاف ظاهره، ويمكن حمله على إرادة وجوب الوقوع; لتعلق العلم القديم بوقوعه; فإن ذلك لا ينافي إمكانه في نفسه .



(فصل)

ودليل المحدث في هذا الأصل قوله تعالى: رسلا مبشرين ومنذرين ، وقوله تعالى - حكاية عن الكفرة-: لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ، وقوله تعالى: يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا ; فإن الله تعالى أعذر إلى الخلق ببعثة الرسل، وقطع حجتهم عند ذلك، وهي أنه لولا بعثة الرسل لتوجه لهم من حيث العادة المألوفة أن يقولوا -عند نزول الشقاوة بهم-: يا ربنا، إنك ركبتنا تركيبا نسهو معه ونغفل، جعلت فينا غضبا وشهوة، ومكنت منا عدوا لنا حريصا على غوايتنا وإضلالنا، فهلا أمددتنا بشخص من أنفسنا نسر به ولا نستوحش منه، ينبهنا إذا سهونا، ويذكرنا إذا نسينا، ويعلمنا إذا جهلنا، ويمنعنا إذا اشتهينا. ولما كان كذلك بعث الله الأنبياء; لقطع هذه الحجة واضمحلالها، على أنه لو لم يفعل ذلك لكان له ذلك; إذ هو يفعل ما يشاء، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .



(فصل)

ودليل الصوفي يقول: قد تحقق في نفس الأمر أن العلم على قسمين: قديم، وحادث، وإن شئت فقل: فعلي، وانفعالي، وإن شئت فقل: حصولي، وانطباعي، وإن شئت فقل: ذاتي، وعرضي، فالعلم الحصولي [ ص: 200 ] الذاتي القديم هو علم الله تعالى، والانفعالي والانطباعي العرضي الحادث هو علم العبد، وحصول الكمال من حيث قضية الوجود الشامل للوجوب والإمكان إنما هو بحصول العلمين; إذ الأمر في نفسه من حيث حقيقة الحقائق القابلة لذلك إعطاء ذلك، فلا بد من ذلك، وقد تحقق وتبين تخصيص الواجب جل وعلا بالقديم من ذلك، وتقديسه عن الحادث; فلا بد للعلم الحادث من حامل له، وهو العبد، قال تعالى: الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا ، وقال تعالى: وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ، والعبادة إنما هي علم وعمل، فإذا لا بد من حصول العلم للعبد، كما أعطته الحقيقة عينا، والآيات القرآنية علما، ولما كان العلم الحادث حقيقة راجعة إلى حصول صور انفعالية مثالية تحصل بواسطة الحادث محادثة روحانية، وموجبات قدسية نحو الجناب الأقدس جل وعلا، فعند تمام المواجهة تحصل أنوار شعشعانية، ثم حصول تلك الصور النورانية إنما هي بمحض المشيئة الإلهية، كما دل عليه قوله تعالى: ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ، وهي تتفاوت بحسب المواجهات، والمواجهات بحسب المرتبة والحقيقة، فمتى كانت حقيقة القابل في غاية البساطة والتمحيص من الفواشي الحجبية التي هي الأوهام وما يؤدي إليها، والسلامة من التركيب المقتضي لذلك، كان أقرب، ومتى كان الحقيقة على الضد من ذلك كانت أبعد، وبينهما وسائط، فإذا كل حقيقة إنما تمتد بما يناسبها، وذلك الامتداد هو التنزل الوحيي، والتعليم الإلهي، ثم ذلك التعليم منه ما يخص، ومنه ما يعم، فكل صورة نورانية علمية حصلت في محل انبعث منها بحسب الإمداد الإلهي شعاع، يقع ذلك الشعاع صورة علمية عن المحل المواجه لشطر محل تلك الصورة، ثم من ذلك إلى آخره، وهلم جرا .

ثم ذلك الانبعاث قد يكون بواسطة لفظ أو رقم أو إشارة، وقد يكون بغير واسطة، بل إلهام، بمجرد تصفية القابل، ودفع المزاحم، وبالجملة فهذا انبعاث الصور العلمية المتخصصة بالإرادة الأزلية هو حضرة الوجوب من حيث الإمكان والتحقق بوحدة الجمع، ومقام الأحدية، ولما كان الوجود الإمكاني العبدي على ثلاث مراتب: علوي نوراني، كالملائكة، وسفلي جسماني، كالجن، ومتوسط بين الأول والثاني، كالإنسان، وكان الإنس على ثلاث مراتب: منهم من غلب عليهم حكم المرتبة العلوية، وهم الكمل الباقون على حسن تقويمهم، ومنهم من غلب عليه حكم المرتبة السفلية، وهم الأشقياء المردودون إلى أسفل سافلين، ومنهم من توسط بين المرتبتين، وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، ثم الكمل على قسمين: منهم من هو في مرتبة الملائكة من كل الوجوه، وهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وإنما كانوا بصورة البشر; لتقرب المناسبة المتوقف عليها القبول من حيث النسبة الإلهية، ومنهم من هو دون ذلك، وهم الأولياء، ولما كان التلقي إنما هو بحسب المواجهة والمناسبة، كما أشرنا، كان أول متلق من الحضرة الإلهية هم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، إما بغير توسط الغير منهم البعض، وإما بتوسط; إذ هم متفاوتون في مراتبهم، ثم الأولياء من الأنبياء بحصول المناسبة الخلقية تعليما، ومن الملائكة إلهاما وتحدثا، قال عليه الصلاة والسلام: "إن الملك يتكلم على لسان عمر، وإنه كان فيمن قبلكم محدثون، فإن يكن من أمتي منهم فعمر بن الخطاب منهم"، ثم المتوسطون من الأولياء تعلما بحسب حصول المناسبة العملية، وأما الجن فتلقيهم تلقي استراق من الملائكة، واستماع من الأنبياء أولا، ومن الأولياء ثانيا، وأما ما يظهر على بعض الذوات الإنسانية من غير متابعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فليس إلا من القرين الجني، وإذا تقرر ذلك بان لك أنه لولا بعثة الأنبياء لم يكن من الجن والإنس كمال علمي; فقد اتضحت الحكمة، وعمت النعمة، والله أعلم .



(تكميل الأصل)

اعلم أن النبوة ليست صفة ذاتية للنبي، كما صار إليه الكرامية; لاستوائه مع الخلق في نوع البشرية، ولا مكتسبة، كما صار إليه الفلاسفة، وقالوا: إنها ترجع إلى التخلي من الأخلاق الذميمة، والتحلي بالأخلاق الكريمة، إلى أن يصل العبد إلى حالة يتمكن بها من سياسة نفسه وغيره، وإنما يرجع إلى اصطفاء عبد بأن [ ص: 201 ] يوحى إليه، قال الله تعالى: الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ، وقال تعالى: قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي ، فميز نفسه بالوحي، فإن أمر مع ذلك بتبليغ الوحي كان رسولا، كما قال تعالى: يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ، فإذا كل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، وقد ميز الزمخشري الرسل عن الأنبياء بأن الرسل هم أصحاب الكتب والشرائع، والنبيين هم الذين يحكمون بالمنزل على غيرهم، مع أنهم يوحى إليهم، كما قال تعالى: إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون ، وسمي نبيا لإخباره عن الله تعالى; فيكون من الإنباء، أو لرفعته، فيكون من النبوة; ولذلك قرئ مهموزا، وغير مهموز، وبالله التوفيق .




الخدمات العلمية