الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم نبه المنكرين للإعادة، مع إقرارهم بالابتداء على جواز إعادته تعالى لهم، حيث قال لهم لما استنكروها وقالوا: من يحي العظام وهي رميم؟

قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم [ ص: 197 ] ثم أوضح لهم ذلك بقوله: الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم منه توقدون [سورة يس: 79-80] ، فدلهم بما يشاهدونه من جعله النار من العفار والمرخ وهما شجرتان خضراوان إذا حكت إحداهما الأخرى بتحريك الريح لها اشتعل النار فيهما، على جواز إعادته الحياة في العظام النخرة والجلود المتمزقة.

ثم نبه عباد الأصنام بتعريفه لهم على فساد ما صاروا إلى عبادتها مع نحتها، بقوله تعالى: أتعبدون ما تنحتون ثم قال: والله خلقكم وما تعملون [سورة الصافات: 95-96] .

فبين لهم فساد عبادتها، ووجوب عبادته دونها، بأنها إذا كانت لا تصير أصناما إلا بنحتكم لها، فأنتم أيضا لن تكونوا على ما أنتم عليه [ ص: 198 ] من الصور والهيئات إلا بفعلي، وإني - مع خلقي لكم وما تنحتونه - خالق لنحتكم، إذ كنت أنا المقدر لكم عليه والممكن لكم منه.

ثم رد على المنكرين لرسله بقوله عز وجل: وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس [سورة الأنعام: 191] .

وقال تعالى: رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [سورة النساء: 165] .

ثم احتج النبي صلى الله عليه وسلم على أهل الكتب بما في كتبهم من ذكر صفته والدلالة على اسمه ونعته،وتحدى النصارى - لما كتموا ما في كتبهم من ذلك وجحدوه - بالمباهلة، عند أمر الله عز وجل له بذلك بقوله: [ ص: 199 ] فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنت الله على الكاذبين آل عمران: 61] .

وقال لليهود لما بهتوه: فتمنوا الموت إن كنتم صادقين [سورة البقرة: 94] ، فلم يجسر أحد منهم على ذلك، مع اجتماعهم على تكذيبه، وتناهيهم في عداوته، واجتهادهم في التنفير عنه، لما أخبرهم بحلول الموت بهم إن أجابوه إلى ذلك، فلولا معرفتهم بحاله في كتبهم، وصدقه فيما يخبرهم، لأقدموا على إجابته، ولسارعوا إلى فعل ما يعلمون أن فيه توهين أمره.

التالي السابق


الخدمات العلمية