الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وكان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين، فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا، فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها.

ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشعري وغيرهما، وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه، ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله. [ ص: 7 ]

وقد ذكر الحارث في كتاب " فهم القرآن " عن أهل السنة في هذه المسألة قولين، ورجح قول ابن كلاب، وذكر ذلك في قول الله تعالى: وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون [سورة التوبة: 105] وأمثال ذلك، وأئمة السنة والحديث على إثبات النوعين، وهو الذي ذكره عنهم من نقل مذهبهم، كحرب الكرماني وعثمان بن سعيد الدارمي وغيرهما، بل صرح هؤلاء بلفظ الحركة، وأن ذلك هو مذهب أئمة السنة والحديث من المتقدمين والمتأخرين، وذكر حرب الكرماني أنه قول من لقيه من أئمة السنة كأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وعبد الله بن الزبير الحميدي وسعيد بن منصور. وقال عثمان بن سعيد وغيره: إن الحركة من لوازم الحياة، فكل حي متحرك، وجعلوا نفي هذا من أقوال الجهمية نفاة الصفات، الذين اتفق السلف والأئمة على تضليلهم وتبديعهم.

[ ص: 8 ] وطائفة أخرى من السلفية كنعيم بن حماد الخزاعي والبخاري صاحب الصحيح وأبي بكر بن خزيمة، وغيرهم كأبي عمر بن عبد البر وأمثاله: يثبتون المعنى الذي يثبته هؤلاء، ويسمون ذلك فعلا ونحوه، ومن هؤلاء من يمتنع عن إطلاق لفظ الحركة لكونه غير مأثور.

وأصحاب أحمد منهم من يوافق هؤلاء، كأبي بكر عبد العزيز وأبي عبد الله بن بطة وأمثالهما، ومنهم من يوافق الأولين، كأبي عبد الله بن حامد وأمثاله، ومنهم طائفة ثالثة - كالتميميين وابن الزاغواني غيرهم - يوافقون النفاة من أصحاب ابن كلاب وأمثالهم.

التالي السابق


الخدمات العلمية