الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ثم إن فضلاءهم يتفطنون لما بهم من ذلك فيصيرون في الشك والحيرة والارتياب، وهذا منتهى كل من عارض نصوص الكتاب. [ ص: 257 ]

وإذا كان قد علم بالاضطرار من دين الإسلام أن التصديق الجازم بما أخبر به الرسول حق واجب، وطريق هؤلاء تناقضه، علم بالضرورة من دين الإسلام أن طريق هؤلاء فاسدة في دين الإسلام، وهذه هي طريقة أهل الإلحاد في أسماء الله وآياته.

وإذا كان ما أوجب الشك والريب ليس بدليل صحيح، وإنما الدليل ما أفاد العلم واليقين، وطريق هؤلاء لا يفيد العلم واليقين، بل يفيد الشك والحيرة، علم أنها فاسدة في العقل، كما أنها إلحاد ونفاق في الشرع.

وهذا كله بين لمن تدبره، والأمر فوق ما أصفه وأبينه، وهذا الموضع لا يحتمل البسط والإطناب، ولا ريب أن موجب الشرع أن من سلك هذه السبيل فإنه بعد قيام الحجة عليه كافر بما جاء به الرسول.

ولهذا كان السلف والأئمة يتكلمون في تكفير الجهمية النفاة بما لا يتكلمون به في تكفير غيرهم من أهل الأهواء والبدع، وذلك لأن الإيمان إيمان بالله وإيمان للرسول، فإن الرسول أخبر عن الله بما أخبر به عن أسماء الله وصفاته، ففي الإيمان خبر ومخبر به، فالإيمان للرسول تصديق خبره، والإيمان بما أخبر به والإقرار بذلك والتصديق به.

ولهذا كان من الناس من يجعل الكفر بإزاء المخبر به كجحد الخالق وصفاته، ومنهم من يجعله بإزاء الخبر، وهو تكذيب الرسول.

وكلا الأمرين حق، فإن الإيمان والكفر يتعلق بهذا وبهذا، وكلام [ ص: 258 ] الجهمية نفاة الصفات مناقض لخبر الرسول الصادق، ونفي لما هو ثابت لله من صفات كماله.

ومما يوضح الأمر في ذلك أنك لا تجد من سلك هذه السبيل وجوز على الأدلة السمعية أن يعارضها معقول صريح ينافيها إلا وعنده ريب في جنس خبر الله ورسوله، وليس لكلام الله ورسوله في قلبه من الحرمة ما يوجب تحقيق مضمون ذلك، فعلم أن هذا طريق إلحاد ونفاق، لا طريق علم وإيمان.

ونحن نبين فساد طريق هؤلاء بالطرق الإيمانية والقرآنية تارة، وبالأدلة التي يمكن أن يعقلها من لا يستدل بالقرآن والإيمان.

وذلك لأنا في مقام المخاطبة لمن يقر بأن ما أخبر به الرسول حق، ولكن قد يعارض ما جاء عنه عقليات يجب تقديمها عليه، وإذا كنا في مقام بيان فساد ما يعارضون به من العقليات على وجه التفصيل، فذلك- ولله الحمد- هو علينا من أيسر الأمور.

ونحن - ولله الحمد - قد تبين لنا بيانا لا يحتمل النقيض، فساد الحجج المعروفة للفلاسفة والجهمية والقدرية ونحوهم، التي يعارضون بها كتاب الله، وعلمنا بالعقل الصريح فساد أعظم ما يعتمدون عليه من ذلك، وهذا - ولله الحمد - مما زادنا الله به هدى وإيمانا، فإن فساد المعارض مما يؤيد معرفة الحق ويقويه، وكل من كان أعرف بفساد الباطل كان أعرف بصحة الحق. [ ص: 259 ]

ويروى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لا يعرف الجاهلية.

وهذا حال كثير ممن نشأ في عافية الإسلام وما عرف ما يعارضه ليتبين له فساده، فإنه لا يكون في قلبه من تعظيم الإسلام مثل ما في قلب من عرف الضدين.

ومن الكلام السائر: "الضد يظهر حسنه الضد"، "وبضدها تتبين الأشياء".

التالي السابق


الخدمات العلمية