الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

بيان تلبيس الجهمية في تأسيس بدعهم الكلامية

ابن تيمية - أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحراني

صفحة جزء
وأيضا فإذا كانت أبعاضه متماثلة فجواز تفرق المتباعدين وتباعد المتفرقين مشروط بجواز التفرق عليه، وإلا فإذا قدر جسم بسيط لا يجوز تفريقه وأبعاضه متماثلة لم يجز أن يقال في هذا إنه يجوز على المتباعدين أن يصيرا متلاقيين، وعلى المتلاقيين أن يصيرا متباعدين، فإن جواز ذلك مشروط بجواز الافتراق.

وأيضا فإذا كانا متماثلين ومن حقيقة أحدهما امتناع المفارقة [ ص: 91 ] عليه، لزم أن يكون من حقيقة الآخر امتناع المفارقة عليه، فيكون تماثلهما مانعا من جواز تباعد المتلاقيين وتلاقي المتباعدين؛ فإن أحدهما إذا فارق ملاقيه ثبت جواز المفارقة عليه، وذلك يمنع أن يكون مثلا لما لا يجوز المفارقة عليه.

وأيضا فالمتماثلان في الحقيقة والصفة إذا كانت مقاديرها متفاوتة لم يجب أن يساوي أحدهما الآخر فيما هو من حكم المقدار كالدينار الصغير مع الدينار الكبير.

ومما يوضح ذلك أن هذا الافتراق يغير حقيقة الشيء كما يغير ويبدل صفته، فإن النار والهواء إذا تبدلت صفة النارية والهوائية فيه خرج عن أن يكون نارا وهواء، أو أن تكون الأجزاء النارية نارا وهواء، وكذلك متى تفرق المجتمع الذي حقيقته باجتماعه، متى تفرق وتمزق خرج عن حقيقته لجميع المركبات، مثل بدن الإنسان إذا قطع قطعا صغارا جدا، بل كثير من الأجسام تتبدل حقيقته بالتفريق كما تتبدل بالتحويل، وإن كان في نفسه بسيطا.

وفي الجملة فأصل هذا الكلام أنه فرض تماثلا وقال فيه: يلزم أن يجوز على أحدهما ما يجوز على الآخر، فيقال له: التماثل الذي سلمناه لم يدخل فيه ما يستلزم جواز التفريق أو جواز حلول كل بعض محل الآخر، ولا يدخل هذا في مسمى [ ص: 92 ] التماثل المفروض.

وإن قلت: بل هو داخل في مسمى التماثل الذي فرضته كان النزاع لفظيا وعاد الكلام إلى القسم الثاني فيقال لك: لا يكون مماثله بهذا الاعتبار الذي ذكرته كما قد يقال ابتداء. لا يجب أن تكون الأبعاض متماثلة، بل يجوز أن تكون غير متماثلة كما أن الصفات مثل الحياة والعلم والقدرة ليست متماثلة. فيقول هؤلاء في القدر ما قاله الباقون في الوصف، ويقولون: أبعاض المقدار كآحاد الصفات، وإذا كان حاملا لصفات ليست متماثلة كان أيضا جامعا لأبعاض ليست متماثلة. فما الدليل على بطلان ذلك ونفي ذلك مما ذكره الأئمة من قول الجهمية حيث قالوا عنهم: إنهم قالوا: لا يكون شيئين مختلفين، وليس له أعلى ولا أسفل، ولا نواحي ولا جوانب، ولا يمين ولا شمال، ولا هو خفيف ولا ثقيل، ولا له لون ولا له جسم مع ما في الكتاب والسنة وفي اتفاق سلف الأمة وأئمتها من وصفه باليدين والوجه بل وغير ذلك من الصفات التي تقتضي أن لها حقائق لا تسد هذه مسد هذه ولا يسد العلم مسد القدرة فكذلك الوجه واليد لا يسد أحدهما مسد الآخر.

التالي السابق


الخدمات العلمية