الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الوجه الثالث عشر أن يقال: هذه الحجة مشتملة على حجتين إحداهما: حجة الانقسام أو الصغر، وهي تعم الأقسام، والثانية: ما يخص قسما قسما مع ذلك. ونحن نتكلم على الحجتين جميعا، فإحداهما حجة الانقسام والتركيب، والأخرى هي من جنس حجة تماثل الأجسام، وهاتان الحجتان هما جماع ما يذكره النفاة في هذا الباب، فإنه يعود إلى ما يذكره من التركيب وإلى ما يذكره من التمثيل. وقد تقدم فيما يمتنع من ذلك وما لا يمتنع وبينا أن سورة الإخلاص قل هو الله [ ص: 223 ] أحد الله الصمد [الإخلاص: 1-2] تنزهه عن الممتنع من هذين فاسمه " الأحد " منع التشبيه الممتنع عليه، واسمه الصمد منع الانقسام والتركيب الممتنع عليه.

ولكن هؤلاء النفاة غلوا في ذلك وتعدوا حدود الله فيه، فزادوا على الحق من الباطل شيئا كثيرا، كما أن من المثبتة من غلا في الإثبات وتعدى حدود الله حتى زاد على إثبات الحق زيادات باطلة، والله يهدينا الصراط المستقيم وليس هذا موضع الشرح والبسط لما تضمنته هذه السورة العظيمة من أصول التوحيد والإيمان، فإنها كثيرة عظيمة إذ " الأحدية " و " الصمدية " ينتظمان أصول التوحيد والإيمان والدين؛ فأسماء الله وصفاته من دينه، إذ دينه الحق يتبع ما هو عليه سبحانه في نفسه.

ولما كان الدين عند الله هو الإسلام، والإسلام هو الاستسلام لله وحده وله ضدان: الإشراك والاستكبار، فالمستكبر استكبر عن الإسلام له والمشرك استسلم لغيره، وإن كان قد استسلم له، فمعنى " الأحد " يوجب الإخلاص لله المنافي للشرك، ومعنى " الصمد " يوجب الاستسلام لله وحده المنافي للاستكبار، فإن الصمد يتضمن صمود كل شيء إليه وفقره إليه.

وأيضا فدين الله واحد. لا تفرق فيه، و " الصمد " يناسب اجتماعه؛ فالله سبحانه وتعالى هو الإله الواحد ودينه واحد [ ص: 224 ] وعباده المؤمنون مجتمعون يعتصمون بحبله غير مفترقين، واسمه الأحد يقتضي التوحيد، والصمد يقتضي الاجتماع وعدم التفرق، فإن الصمد فيه معنى الاجتماع وعدم التفريق، والتوحيد أبدا قرين الاجتماع لأن الاجتماع فيه الوحدة، والتفرق لا بد فيه من التثنية والتعدد كما أن الإشراك مقرون بالتفرق، قال [ ص: 225 ] تعالى: فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولا تكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون [الروم:- 30-32] ولهذا كان شعار الطائفة الناجية هو السنة والجماعة دون البدعة والفرقة، فإن أصل السنة توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، وأصل البدع الإشراك بالله شركا أصغر أو أكبر.

وهؤلاء الملبسون يقولون: لا ينقسم أو لا يتجزأ أو لا يتبعض ونحو ذلك، ولو لم يريدوا إلا ما هو حق لكانوا محسنين لكن حقيقة قولهم إنه ليس هناك شيء يتصور أن يكون مجتمعا فضلا أن يكون متفرقا، ولا شيء موجود يتميز عن غيره فضلا عن أن يكون منقسما، فأخذوا لفظ التفرق والانقسام فوضعوه على غير المعاني المعروفة، ونفوا به ما يستلزم نفي الحقيقة بالكلية، كما فعل غيرهم في نفي العلم والقدرة ونحوهما، أو نفي الأسماء كالحي والعليم والقدير ونحو ذلك، فنفي الصفات يستلزم نفي الأسماء، كما قد ذكرناه في غير هذا الموضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية