الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وفي الاعتقاد : «أن الدين والإيمان قول وعمل ، قول القلب واللسان ، وعمل القلب واللسان والجوارح » . فقال بعض الحاضرين : إذا ذكر أن هذا اعتقاد الفرقة الناجية كان فيه دلالة أن من لم يعتقد هذا يكون من الهالكين ، وكثير من العلماء يقول : إن الإيمان هو التصديق .

فقلت : مع أن هذا السؤال لا يرد ؛ لأني إنما قلت : إن الدين والإيمان [ ص: 186 ] قول وعمل ، وهذا متفق عليه لا خلاف أن مجموع الدين والإيمان قول وعمل ، لكني قلت : أنا ذكرت اعتقاد السلف المنقول عن الصحابة والتابعين ، ومذهبهم الثابت عنهم أن الإيمان قول وعمل . وليس من خالف القول الصحيح الذي يعتقده أهل العلم باجتهاد أو تأويل يكون هالكا ، كسائر من يخالف بعض الأحاديث الصحيحة لاجتهاد سائغ ، فإن المجتهد المصيب له أجران ، والمجتهد المخطئ له أجر . وقد ذكرت في الاعتقاد أن أهل السنة لا يكفرون أهل الذنوب الكبائر مع شمول نصوص الوعيد لهم ، لجواز أن يغفر الله لهم ويتوبوا ، أو يكون لهم حسنات ماحية ، أو لشفاعة فيهم ، أو رحمة الله لهم ، وإن كنا نطلق بأن أهل النجاة هم أهل طاعة الله .

وكان في الاعتقاد أن ما ذكر في القرآن من أنه استوى على عرشه ، وأنه مع عباده ، كلاهما حق على حقيقته لا يحتاج إلى تحريف ، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة ، وأن ما ذكر في الكتاب والسنة وحكم من قربه ومعيته لا ينافي ما ذكر من علوه وفوقيته ، فإنه سبحانه ليس كمثله شيء في جميع نعوته ، وهو علي في دنوه قريب في علوه .

فأنكر بعض الجماعة لفظ الحقيقة ، فقلت : قد حكى أبو عمر ابن عبد البر في «التمهيد » إجماع أهل السنة على أن هذه الآيات والأحاديث تجرى على الحقيقة لا على المجاز . وذكرت أيضا ما حكاه [ ص: 187 ] الخطابي وأبو بكر الخطيب وغيرهما أن مذهب السلف إجراء آيات الصفات وأحاديث الصفات على ظاهرها مع نفي الكيفية والتشبيه عنها . وذلك أن الكلام في الصفات فرع على الكلام في الذات ، يحتذى فيه حذوه ويتبع فيه مثاله ، فإذا كان معلوما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية ، فكذلك إثبات الصفات إثبات وجود لا إثبات كيفية . فلا نقول : إن معنى اليد القدرة ، ولا أن معنى السمع العلم ، ولا نشبهها بأيدي المخلوقين وأسماعهم ونجعلها جوارح وأدوات للفعل .

وفي الاعتقاد : أنه «فوق سماواته على عرشه ، علي على خلقه » .

فسأل بعض الحاضرين عن لفظ الفوق ، فقلت : هذا اللفظ في كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، وذكرت حديث العباس بن عبد المطلب وهو في الاعتقاد ، وفيه : «والعرش فوق ذلك ، والله فوق عرشه ، وهو يعلم ما أنتم عليه » .

فقال بعضهم : نقول : «فوق العرش » ولا نقول : «فوق السماوات » . فقلت : المعنى واحد ، مع أن في الحديث أيضا «فوق السماوات » .

فانقضى المجلس على أن أكتب جواب هذه الأسولة ، ثم طلب تأخير ذلك إلى يوم الجمعة . [ ص: 188 ]

قلت : كل من نقل مذهب السلف من أهل الحديث والمالكية والشافعية والحنبلية وغيرهم ، مثل أبي سليمان الخطابي وأبي بكر الخطيب وأبي بكر الإسماعيلي وأبي عثمان الصابوني والقاضي أبي يعلى وأبي عمر ابن عبد البر وأبي محمد البغوي صاحب «شرح السنة » وأبي القاسم التيمي صاحب «الترغيب والترهيب » وخلق كثير ، نقلوا نحو ذلك . فلفظ بعضهم : أن مذهب السلف إجراؤها على ظاهرها ، ولفظ بعضهم : حملها على ظاهرها ، ولفظ بعضهم : إمرارها على ظاهرها . وبعضهم يقول : حملها على الحقيقة دون المجاز . وبعضهم يصرح عنهم بإثبات ما دلت عليه من الصفات ، كما نقله الأشعري وابن خزيمة والبيهقي وسيف [ ص: 189 ] الدين الآمدي .

التالي السابق


الخدمات العلمية