الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ولكن تنازع المسلمون في السكران، والذي نصرناه في غير هذا الموضع أنه لا يقع به أيضا، كما هو قول أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: عثمان بن عفان وعبد الله بن عباس وعقبة بن عامر، ولم نعلم أنه ثبت عن صحابي خلاف ذلك صريحا، وهو قول طوائف من أئمة التابعين، وهو إحدى الروايتين عن أحمد اختارها أئمة من أصحابه، كأبي بكر الخلال وأبي الخطاب وغيرهما، وهو طرد ما ذكرناه من الطلاق إذا كان إنما أبيح للحاجة، وهي جلب منفعة أو دفع مضرة، فلم يقع إلا ممن له قصد صحيح يجلب به المنفعة ويدفع به المضرة، وحينئذ فإقدامه عليه دليل الحاجة. [ ص: 347 ]

وأما الهازل فذاك لزمه عند من يقول به؛ لأنه اتخذ آيات الله هزوا، كما يلزم الكفر لمن تكلم به مستهزئا؛ لأنه اتخذ آيات الله هزوا، لئلا يستهزئ أحد بآيات الله. وهذا إذا قيل عوقب به كانت العقوبة تدفع أن يستهزئ أحد بآيات الله، كما أن تكفير المسلم بآيات الله هزوا يمنع أن يستهزئ أحد بآيات الله، فكان في إيقاع الطلاق به زوال هذه المفسدة، وكان ما حصل له من الضرر ضررا بمن يستحق هذا الضرر، بخلاف المكره وبخلاف السكران، فإن ذنبه هو الشرب، ليس ذنبه إيقاع الطلاق، والشارع لا يعاقبه على الشرب بالتزام ما يمكن أن يتكلم به، ولو كان ذلك لعاقبه بالقتل؛ لأن السكران قد يتكلم بالكفر، كما قد يتكلم بالطلاق.

وعلى هذا فإذا قالوا: الطلاق لغير حاجة محرم أو مكروه، قالوا: إن الطلاق الشرعي مباح مأذون فيه. وهذا معنى قوله: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق" ، أي: أبغض ما أبيح للحاجة وهو محرم بغيض إلى الله بدونها: الطلاق، كما تقول: أبيحت المحرمات للمضطر، أي أبيح له عند الضرورة ما كان محرما بدونها، ليس المراد به أن الشيء في حال واحدة يكون حلالا حراما، كذلك الشيء في حال واحدة لا يكون بغيضا إلى الله مأذونا فيه من جهته، فإن هذا تناقض.

التالي السابق


الخدمات العلمية