الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما ربا الفضل فإذا باع حنطة بحنطة خير منها مد بمدين ، كان هذا تجارة فيها ، ومن سوغ التجارة فيها نقدا طلبت النفوس التجارة فيها نساء كما تقدم في النقدين ، وإن لم يشترطوا ذلك بل قد يتعاقدان على الحلول .

والعادة جارية بأنك تصبر علي كما هو الواقع في كثير من السلع ، وكما يفعل أرباب الحيل ، يطلقون العقد وقد تواطأوا على أمر آخر ، كما يطلقون عقد نكاح التحليل وقد اتفقوا على أنه يطلق ، ويطلقون البيع على بيع الفضة بالفضة وقد اتفقوا على أنه باذل عنها ذهبا ، واتفقوا على أنه يبيعه السلعة إلى أجل وقد اتفقوا على أنه يعيدها إليه بدون ذلك الثمن ، ومثل ذلك كثير .

كذلك يطلقون بيع الدراهم بالدراهم على أنها حالة ، ويؤخر الطلب لأجل الربح . فكان يحرم ربا الفضل ؛ لأنه ذريعة إلى ربا النساء ، كما جاءت هذه العلة منصوصة عن النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تبيعوا الدرهم بالدرهمين ، فإني أخاف عليكم الرماء ، والرماء هو الربا » ، وإلا فمعلوم أنه مع استواء الصفات لا يبيع أحد مد حنطة أو تمر مدا بمد يدا بيد ، هذا لا يفعله أحد . وإنما يفعل هذا عند اختلاف الصفات ، مثل أن يكون هذا جيدا وهذا رديئا ، أو هذا جديدا وهذا عتيقا ، وإذا اختلفت الصفات فهي [ ص: 290 ] مقصودة ، ولهذا يجب له في القرض مثل ما أقرضه على صفته ، وكذلك في الإتلاف ، لأنه في القرض لم يقصد البيع ، وإنما قصد نفعه ، فهو بمنزلة العارية . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : «منيحة الورق » ، ويقال فيه : أعرني دراهمك ، فهو يستعير تلك الدراهم ينتفع بها مدة ثم يردها ، وعينها ليست مقصودة ، ويرد جنسها ، كما في القراض يرد رأس المال ، ثم يقتسمان الربح ، وعين ما أعطاه ليس مقصودا ، بل المقصود الجنس . فهذه أمور معقولة جاءت بها الشريعة في مصالح الناس .

ولما خفيت علة تحريم الربا أباحه مثل ابن عباس حبر الأمة ومثل ابن مسعود ، فإن الحنطة الجيدة والتمر الجيد يقال لصاحبه : ألغ صفات مالك الجيدة ، لكن لما كان المقصود أنك لا تتجر فيها لجنسها ، بل إن بعتها لجنسها فلتكن بلا ربح ولا إلى أجل ظهرت الحكمة ، فإن التجارة في بيعها لجنسها تفسد مقصود الأقوات على الناس . وهذا المعنى ظاهر في بيع الدراهم بالدراهم ، وفي بيع التبر بالدراهم ، لأن التبر ليس فيه صنعة تقصد لأجلها ، فهو بمنزلة الدراهم التي قصد أن لا تفضل على جنسها ، ولهذا جاء في الحديث : «تبره وعينه سواء » . [ ص: 291 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية