الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 346 ] قال الزمخشري : «كل للإحاطة ، وأجمعون للاجتماع ، فأفادا معا أنهم سجدوا عن آخرهم ، وأنهم سجدوا جميعا في وقت واحد غير متفرقين في أوقات » .

وهذه فائدة زائدة حسنة ، إلا أنه يقال : لو أريد هذا المعنى لكان منصوبا على الحال ، وكان وجه الكلام أن يقال : مجتمعين أو أجمعين ، فلما رفعهم جعلهم إتباعا مجردا لكلهم يفيد فائدته ، ولهذا تقول : جاء القوم أجمعون ، وإن تفرقوا في مجيئهم بعد أن يجتمعوا ولا يتخلف منهم أحد ، قال تعالى : فكبكبوا فيها هم والغاوون وجنود إبليس أجمعون [الشعراء :94 - 95] ، أي اجتمعوا كلهم في النار ، ولا يدل ذلك على أنهم دخلوها وكبكبوا فيها مجتمعون في آن واحد .

وبالجملة فلفظ أجمعين وإعرابها يأبى هذا المعنى ، ولا شك أنه يصدق قولك : جاء القوم أجمعون ، وإن تفرقوا في المجيء ، كما تقول : قتل بنو فلان أو ماتوا كلهم [أجمعون] ، وإن تباينت أوقات قتلهم وموتهم ، وتأمل قوله تعالى : فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون [الحجر :92 - 93] ، هل يدل على أنه سبحانه يسألهم كلهم في آن واحد مجتمعين ؟ أو يدل على أنه لا ينفك أحد عن السؤال وإن تعددت أوقات سؤالهم ؟ [ ص: 347 ] وقوله سبحانه وتعالى : قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين [الأنعام :149] ، هل يدل على أنه كان يحصل لهم الهدى في آن واحد ؟ أو يجتمعون على الهدى وإن تعددت أوقات هدايتهم ؟

وقد يقال : أجمعون يستعمل في هذا وهذا بدليل قوله تعالى : وأنجينا موسى ومن معه أجمعين [الشعراء :65] ، وقوله تعالى في أصحاب الصيحة : أنا دمرناهم وقومهم أجمعين [النمل :51] ولا ريب أنهم اجتمعوا في الهلاك ، وأن قوم موسى اجتمعوا في النجاة .

ومنه قوله تعالى حكاية عن يوسف عليه [الصلاة و] السلام : وأتوني بأهلكم أجمعين [يوسف :93] ، فلم يرد بهذا أن يجتمعوا عنده وإن جاءوا واحدا بعد واحد ، وإنما أراد اجتماعهم في المجيء إليه وأن لا يتخلف منهم أحد ، وهذا يعلم بالسياق والقرينة .

ومن القرينة الدالة على ذلك في قصة الملائكة لفظا ومعنى أن قوله تعالى : كلهم ، يفيد الشمول والإحاطة ، فلا بد أن يفيد أجمعون قدرا زائدا على ذلك ، وهو اجتماعهم في السجود .

وأما المعنى ، فلأن الملائكة لا يتخلف أحد منهم عن امتثال الأمر ولا يتأخر عنه ، ولا سيما وقد وقت لهم بوقت وحد لهم بحد ، وهو التسوية ونفخ الروح ، فلما حصل ذلك سجدوا كلهم عن آخرهم في آن واحد ، ولم يتخلف منهم أحد ، بل أتوا بالسجود على الفور ، فلزم [ ص: 348 ] اجتماعهم فيه ، فعلى هذا يخرج كلام هؤلاء الفضلاء ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية