الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقوله "ظهرت نقطة" لفظ مجمل، أيعني حدثت؟ فالمحدث لا بد له من محدث، ولا بد للصفة من محل، أم يعني انكشفت وتجلت؟ فلمن تجلت "وما ثم إذ ذاك إلا الله؟ وهو عالم بنفسه ومعلوماته، فأي شيء انكشف له وتجلى بهذه النقطة العجيبة الشأن؟ ما أشبه هذه النقطة بالكلمة التي تعبدها النصارى وتزعم أنها دخلت الناسوت، فيقول لهم المسلمون: هذه الصفة صفة هي كلام لله، فإن كان كذلك لم يكن إلها يخلق ويرزق ويعبد، ولا يحل المسيح دون الموصوف، وإن كان جوهرا خالقا فإنما يتقدم بنفسه، فهي الأب أو غيره؟ إن كانت الأب فيكون الأب هو الحال، وإن كان غيره فيكون جوهران منفصلان إلهان. فالنصارى في ضلالة وحيرة حيث أثبتوا ثلاثة آلهة وقالوا: هي إله واحد.

وهؤلاء أثبتوا هذه النقطة العالمة العارفة محلا ولم يجعلوا لها محلا، فالشأن كل الشأن في تحقيق هذه النقطة التي هي عقدة [ ص: 414 ] حقيقة النبوة، فهو " صورة علم الحق بنفسه الواقعة بصورة العمل المطابقة للصورة المعلومية التي صارت مرآة لانعكاس الوجود المطلق محلا لتميز صفاته القديمة التي ظهر الحق فيه بصورة وصفة، واصفا يصف نفسه ويحيط به، فالأول هو الموصوف، والثاني هو الواصف، والأول هو المسمى باسم الله، والثاني هو المسمى باسم الرحمن".

فيقال: قد علم أن هذان اسمان من أسماء الله، ليسا اسمين لشيء من صفاته كالعزة والقدرة والحكمة، ولا اسمين لشيء سواه، وأسماء الله تعالى كلها متفقة في دلالتها على نفسه المقدسة، ولكل اسم خاصة ينفرد بها عن الاسم الآخر، فللرحمن الرحمة، وللحكيم الحكمة، وللقدير القدرة. وهكذا أسماء الرسول وأسماء القرآن، ليست هذه الأسماء مترادفة، ولا هي أيضا متباينة من كل وجه، بل هي باعتبار الذات مترادفة، وباعتبار الصفات غير مترادفة بل كالمتباينة، ولهذا يسمى هذا النوع المتكافئة. وكل اسم فإنه يدل على ذات الله وعلى خصوص وصفه بالمطابقة، ويدل على أحدهما بالتضمن، ويدل على الصفة التي للاسم الآخر بالالتزام، فإنه يدل على الذات المستلزمة للصفة الأخرى، فبين كل اسمين اجتماع وامتياز إلا اسم "الله"، ففيه قولان. ولهذا هل يدخل في الأسماء؟ فيه روايتان عن الإمام أحمد : إحداهما أنه لا يدخل في هذه الأسماء، بل هو متضمن للجميع، وهذا يطابق قول من يقول: ليس بمشتق. والثاني: أنه من الأسماء، وهذا يطابق قول من يقول: إنه مشتق. [ ص: 415 ]

والصواب أنه فيه الاشتقاق وعدم الاشتقاق، ففيه الاشتقاق الأصلي لا الوضعي، فليس في الاستعمال مشتقا كاشتقاق سائر الأسماء التي هي اشتقاقها اشتقاق الصفات. وأما في الأصل فإنه مشتق، وهذا يسمى الاشتقاق الوضعي، وذاك يسمى الاشتقاق الوصفي.

والأسماء جميعها هي أسماء لله رب العالمين، وأما صاحب "الفصوص" وأصحابه الاتحادية فعندهم أسماء الله نسب وإضافات بين الوجود ليس موجودة، فهو يقول: إضافة بين الوجود الذي هو الله عنده وبين الثبوت؛ وغيره يقول: نسبة بين أجزاء الوجود وجزئياته. وهؤلاء أعظم الناس إلحادا في أسماء الله.

إذا عرف هذا فالفرق بين اسم الله والاسم الرحمن أن الرحمن متضمن للرحمة المتعلقة بالخلق، والاسم الله متضمن للعموم أو لخصوص الإلهية التي هي استحقاق العبادة. فأما كون هذا واصفا والآخر موصوفا فهذا شيء ليس له دخول في معنى اسم الله والاسم الرحمن.

ثم يقال لهم: فهل كان الله في كانه قبل نزوله إلى سر شأنه مستحق لهذه الأسماء أم لا؟ فإن قالوا: لا، فهذا كفر، وإن قالوا: نعم، قيل: فأنتم قد جعلتم الرحمن متأخرا عن نزوله إلى سر شأنه! [ ص: 416 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية