الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ودلت نصوص الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة أن ولي الأمر -إمام الصلاة ، والحاكم ، وأمير الحرب والفيء ، وعامل الصدقة- يطاع في مواضع الاجتهاد ، وليس عليه أن يطيع أتباعه في موارد الاجتهاد ، بل عليهم طاعته في ذلك وترك رأيهم لرأيه ، فإن مصلحة [ ص: 274 ] الجماعة والائتلاف ومفسدة الفرقة والاختلاف أعظم من أمر المسائل الجزئية . ولهذا لم يجز للحكام أن ينقض بعضهم حكم بعض .

وشبهة هذا المتفقه وأمثاله ، ممن قد سمع بعض غلطات بعض الفقهاء ، فيما إذا ترك الإمام ما يعتقد المأموم وجوبه ، أو فعل ما يعتقد المأموم فسادها به ، فإن من الناس من قد يطلق القول ببطلان صلاة المأموم مطلقا ، ومنهم من لا يصحح الصلاة خلف من لا يأتي بالواجبات حتى يعتقد وجوبها .

وهذه الاطلاقات خطأ مخالف للإجماع القديم ، ولنصوص الأئمة المتبوعين . مثال ذلك : أن يصلي المأموم خلف من ترك الوضوء من خروج النجاسات من غير السبيلين كالدم ، أو خلف من ترك الوضوء من مس الذكر ، أو ترك الوضوء من القهقهة ، ويكون المأموم يرى وجوب الوضوء من ذلك ، أو يكون الإمام قد ترك قراءة البسملة ، أو ترك الاستعاذة ، أو ترك الاستفتاح ، أو ترك تكبيرات الانتقال ، أو تسبيحات الركوع والسجود ، ويكون المأموم يرى وجوب ذلك .

فالصواب المقطوع به صحة صلاة بعض هؤلاء خلف بعض ، وهذا مذهب الأئمة ، وإن كان قد يحكى عن بعضهم خلاف في بعض ذلك .

فهذا الشافعي -رضي الله عنه- كان دائما يصلي خلف أئمة المدينة وأئمة مصر ، وكانوا إذ ذاك مالكية لا يقرأون البسملة سرا ولا جهرا ، ولو سمع الشافعي من يطعن في صلاته خلف مشايخه مالك وأقرانه ، وهو دائما يفعل ذلك; لحكم عليه بالضلال ، وعده هو وسائر الأمة بعد ذلك خلافا للإجماع .

التالي السابق


الخدمات العلمية