الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وأما إذا كان الأخذ يفضي إلى طمع فيه حتى يعاونه في معصية أو يمنع من طاعة ، فتلك مفاسد أخرى ، وهي كثيرة ترجع إلى ذله وفقره لهم ، فإنهم لا يتمكنون من منعه من طاعة إلا إذا كان ذليلا لهم أو فقيرا [ ص: 22 ] إليهم ، ولا يتمكنون من استعماله في المعصية إلا مع ذله أو فقره ، فإن العطاء يحتاج إلى جزاء ومقابلة ، فإذا لم يجعل مكافأة دنيوية من مال أو نفع لم يبق إلا ما ينتظر من المنفعة الصادرة منه إليهم .

وللرد وجوه مكروهة مذمومة :

منها : الرد مرآة بالتشبه بمن يرد غنى وعزة ورحمة للناس في دينهم ودنياهم .

ومنها : التكبر عليهم والاستعلاء ، حتى يستعبدهم ويستعلي عليهم بذلك ، فهذا مذموم أيضا .

ومنها : البخل عليهم ، فإنه إذا أخذ منهم احتاج أن ينفعهم ويقضي حوائجهم ، فقد يترك الأخذ بخلا عليهم بالمنافع .

ومنها : الكسل عن الإحسان إليهم .

فهذه أربع مقاصد فاسدة في الرد للعطاء : الكبر والرياء والبخل والكسل .

فالحاصل أنه قد يترك قبول المال لجلب المنفعة لنفسه ، أو لدفع المضرة عنها ، أو لجلب المنفعة للناس ، أو دفع المضرة عنهم ، فإن في ترك أخذه غنى نفسه وعزها ، وهو منفعة لها ، وسلامة دينه ودنياه مما يترتب على القبول من أنواع المفاسد ، وفيه نفع الناس بإبقاء أموالهم ودينهم له ، ودفع الضرر المتولد عليهم إذا بذلوا بذلا قد يضرهم . وقد [ ص: 23 ] يتركه لمضرة الناس أو لترك منفعتهم ، فهذا مذموم كما تقدم ، وقد يكون في الترك أيضا مضرة نفسه أو ترك منفعتها ، إما بأن يكون محتاجا إليه فيضره تركه ، أو يكون في أخذه وصرفه منفعة له في الدين والدنيا ، فيتركها من غير معارض مقاوم . ولهذا فصلت هذه المسألة ، فإنها مسألة عظيمة ، وبإزائها مسألة القبول أيضا ، وفيها التفصيل ، لكن الأحسن أن ترك الأخذ أجود من القبول ، ولهذا يعظم الناس هذا الجنس النزر ، وإذا صح الأخذ كان أفضل ، أعني الأخذ والصرف إلى الناس . [ ص: 24 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية