الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول: قال بعض العلماء: المراد بالوزن في قوله: «زنه بعشرة » إلى آخره: الوزن الاعتباري. فيكون المراد بالرجحان [الرجحان] في الفضل وهو كذلك. وفائدة فعل الملكين ذلك ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك حتى يخبر به غيره ويعتقده، إذ هو من الأمور الاعتقادية.

                                                                                                                                                                                                                              وسألت شيخنا شيخ الإسلام برهان الدين بن يوسف- رحمه الله تعالى- عن ذلك فكتب لي بخطه: هذا الحديث يقتضي أن المعاني جعلها الله تعالى ذواتا، فعند ذلك قال الملك لصاحبه: أجعله في كفة وأجعل ألفا من أمته في كفة. ففعل فرجح ما له صلى الله عليه وسلم رجحانا طاش معه ما للألف بحيث يخيل للرائي أنه يسقط عليه بعضهم. ولما عرف الملكان منه الرجحان وأنه معنى لو اجتمعت المعاني كلها التي للأمة ووضعت في كفة ووضع ما له صلى الله عليه وسلم في كفة لرجح على الأمة قالا: لو أن أمته وزنت به صلى الله عليه وسلم مال بهم لأن مآثر خير الخلق وما وهبه الله تعالى له من الفضائل يستحيل أن يساويها غيرها. انتهى. [ ص: 394 ]

                                                                                                                                                                                                                              الثاني:

                                                                                                                                                                                                                              قال السهيلي - رحمه الله تعالى-: التماس الأجر على الرضاع لم يكن محمودا عند أكثر العرب، حتى جرى المثل: «تجوع الحرة فلا تأكل بثديها » .

                                                                                                                                                                                                                              وتعقبه في الزهر بأن المثل غير مسوق لذلك. قال المفضل الضبي- رحمه الله تعالى- في كتاب «الفاخر » : تجوع الحرة ولا تأكل بثديها أي ولا تهتك نفسها وتبدي منها ما لا ينبغي أن تبدي. وذكر مثله محمد بن سعد العراقي- رحمه الله تعالى- في «نزهة الأنفس » في الأمثال.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: قال الميداني تبعا لأبي عبيد - رحمهما الله تعالى-: أي لا تكون ظئرا وإن آذاها الجوع.

                                                                                                                                                                                                                              ثم قال السهيلي : وكان عند بعضهم لا بأس به فقد كانت حليمة وسيطة في بني سعد كريمة من كرائم قومها بدليل اختيار الله تعالى إياها لإرضاع نبيه صلى الله عليه وسلم كما اختار له أشرف البطون والأصلاب، والرضاع كالنسب. قال: ويحتمل أن تكون حليمة ونساء قومها طلبن الرضاع اضطرارا للأزمة التي أصابتهم والسنة الشهباء التي أقحمتهم . والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                              الثالث:

                                                                                                                                                                                                                              قول آمنة : «فلم أر حملا كان أخف علي منه » يفهم منه أنها حملت بغيره صلى الله عليه وسلم. وقد ورد ما هو أصرح منه. قال ابن سعد أخبرنا عمرو بن عاصم أخبرنا همام عن إسحاق بن عبد الله، قال: قالت أم النبي صلى الله عليه وسلم: قد حملت الأولاد فما حملت أخف منه. قال ابن سعد - رحمه الله تعالى: قال محمد بن عمر يعني الواقدي - وهذا مما لا يعرف عندنا ولا عند أهل العلم، لم تلد آمنة ولا عبد الله غير النبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                              قال الواقدي : وحدثني محمد وعبد الله ابن أخي الزهري، عن الزهري - رحمه الله تعالى- قال: قالت آمنة: لقد علقت به فما وجدت له مشقة حين وضعته.

                                                                                                                                                                                                                              وأخرجه عن الواقدي من وجه آخر مطولا وفيه: ما شعرت به ولا وجدت- له ثقلة كما تجد النساء.

                                                                                                                                                                                                                              قال الحافظ: إن كان إسحاق بن عبد الله هو ابن أبي طلحة فهو مرسل رجاله رجال [ ص: 395 ] الصحيح. فلا يمتنع أن تكون آمنة أسقطت من عبد الله سقطا فأشارت بذلك إليه فتجتمع الروايات إن قبلنا كلام الواقدي .

                                                                                                                                                                                                                              بل جازف سبط ابن الجوزي - رحمه الله تعالى- كعادته فقال: أجمع علماء النقل على أن آمنة لم تحمل بغير رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنى قولها: لم أحمل حملا أخف منه خرج على وجه المبالغة، أو على أنه وقع اتفاقا. كذا قال: ولا يخفى وهي كلامه. والذي جمعت به أقرب.

                                                                                                                                                                                                                              قلت: وقد تقدم الجمع بين أحاديث وجود النقل وأحاديث عدمه في أبواب المولد فليراجع. والله تعالى أعلم.

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية