الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الفصل الثالث

                                                                                                                                                                                                                              قال القاضي- رحمه الله تعالى- : اعلم أن تسميتنا ما جاءت به الأنبياء من الآيات الخارقة للعادة معجزة هو أن الخلق عجزوا عن الإتيان بمثلها ، فكان عجزهم عنها سببا لتسميتها معجزة من العجز المقابل للقدرة ، وحقيقة الإعجاز إثبات عجز المرسل إليهم ، استعير لإظهار عجزهم ثم استند إلى ما هو سبب لإظهاره من الخوارق ، والمعجزة على ضربين : من حيث كونها مقدورة للبشر وغير مقدورة ، وله ضرب هو من نوع ما يمكن دخوله تحت قدرة البشر ويمكنهم الإتيان به فعجزوا عنه فتعجيز الله إياهم عنه فعل لله تعالى دل على صدق نبيه صلى الله عليه وسلم لأنه كصريح قوله : صدق عبدي في دعواه الرسالة لجري العادة بخلقه تعالى علما ضروريا بصدقه كمن قال لجمع : أنا رسول الله- تعالى- إليكم ثم نتق فوقهم جبلا ، ثم قال : إن كذبتموني وقع عليكم وإلا انصرف عنكم فكلما هموا بتصديقه بعد عنهم أو تكذيبه قرب منهم ، فإنهم يعلمون ضرورة صدقه مع قضاء العادة بامتناع صدور ذلك من الكاذب منهم ، كصرف اليهود عن تمني الموت إذ يعجزهم عن تمنيه مع إمكانه فيعلمون ضرورة أنه صادق .

                                                                                                                                                                                                                              وضرب من المعجزة وهو خارج عن قدرتهم ، فلم يقدروا على الإتيان بمثله كإحياء الموتى ، إذ ليس من جنس أفعالهم ، وأما إحياؤهم على يد عيسى صلى الله عليه وسلم معجزة له ، فكأنما كان من الله تعالى لأمته شهادة ، وإحياء الموتى بإذن الله تعالى «وأن تخرج الموتى بإذني» وقلب العصا حية تسمى معجزة لموسى صلى الله عليه وسلم ، وإخراج ناقة من صخرة بلا واسطة وأسباب معهودة معجزة لصالح صلى الله عليه وسلم ، وكلام الشجرة ، ونبع الماء من بين الأصابع وانشقاق القمر معجزات لنبينا صلى الله عليه وسلم مما لا يمكن أن يفعله أحد إلا الله فيكون ذلك على يد النبي صلى الله عليه وسلم من فعل الله تعالى حقيقة وتحديه من يكذبه إن طلب منه أن يأتي بمثله تعجيزا له عن ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              واعلم أن المعجزات التي ظهرت على يد نبينا صلى الله عليه وسلم ودلائل نبوته وبراهين صدقه من هذين النوعين معا ، أي لما هو من نوع قدرة البشر ، وما هو خارج عنها ، وهو صلى الله عليه وسلم أكثر الأنبياء معجزة ، وأبهرهم آية وأظهرهم برهانا ، وهي مع كثرتها لا يحيط بها ضبط فإن واحدا منها وهو [ ص: 408 ]

                                                                                                                                                                                                                              القرآن لا يحصى عدد معجزاته بألف ولا ألفين ولا أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحدى بسورة منه فعجزوا عنها قال أهل العلم : وأقصر سور القرآن إنا أعطيناك الكوثر [الكوثر - 1] لأنها ثلاث آيات حروفها أقل من حروف آيات سورة هي ثلاث مثل قل هو الله أحد [الإخلاص - 1] ، وكل آية منه طويلة بعدد آياتها كلمات وحروفا أو آيات منه بعددها آيات وحروفا كلمات معجزة لا تتعارض موازاة ومداناة ثم في سورة الكوثر نفسها معجزات على ما سنفصله فيما اشتمل عليه القرآن من المعجزات التي فاقت الحصر .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية