الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              تنبيهات

                                                                                                                                                                                                                              الأول : قال ابن الصلاح- رحمه الله تعالى- في «فتاويه» : انتدب بعض العلماء لاستقصاء معجزاته صلى الله عليه وسلم فجمع منها ألف معجزة ، وعددناه مقصرا إذ هي فوق ذلك بأضعاف لا تحصى فإنها ليست محصورة على ما وجدناه منها في عصره صلى الله عليه وسلم بل لم تزل تتجدد بعده صلى الله عليه وسلم على تعاقب العصور وتتلاحق كرامات الأولياء من أمته وإجابات المتوسلين به في حربهم ومعوناتهم عقب توسلهم به في شدائد براهين له قواطع ومعجزات له سواطع لا يعدها عاد ولا يحصرها حاصر .

                                                                                                                                                                                                                              الثاني : فرق جماعة بين المعجزة والسحر والكرامة قال الإمام المازري : الفرق بينهما أن السحر يكون بمعاناة أقوال وأفعال حتى يتم للساحر ما يريد ، والكرامة لا تحتاج إلى ذلك بل إنما تقع غالبا اتفاقا ، أما المعجزة فتمتاز عن الكرامة بالتحدي ، ونقل إمام الحرمين الإجماع على أن السحر لا يظهر إلا من فاسق ، وأن الكرامة لا تظهر على فاسق . ونقل النووي في زيادات الروضة عن المتولي نحو ذلك ، وينبغي أن يعتبر بحال من يقع الخارق منه ، فإن كان متمسكا بالشريعة متجنبا للموبقات فالذي يظهر على يديه من الخوارق كرامة وإلا فهو سحر ، لأنه ينشأ عن أحد أنواعه كإعانة الشياطين غير أنها لدقتها لا يتوصل إليها إلا آحاد الناس ، ومادته الوقوف على خواص الأشياء ، والعلم بوجوه تركيبها وأوقاته ، وأكثرها تخييلات بغير حقيقة وإيهامات بغير ثبوت ، فيعظم عند من لا يعرف ذلك كما قال الله تعالى عن سحرة فرعون وجاءوا بسحر عظيم [الأعراف - 116] مع أن حبالهم وعصيهم لم تخرج عن كونها حبالا وعصيا ، ثم قال : والحق أن لبعض أصناف السحر تأثيرا في القلوب كالحب والبغض وإلقاء [ ص: 410 ]

                                                                                                                                                                                                                              الخير والشر ، وفي الأبدان بالألم والسقم ، وإنما المنكور أن الجماد ينقلب حيوانا أو عكسه بسحر الساحر ونحو ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال القرطبي : السحر حيل صناعية يتوصل إليها بالاكتساب .

                                                                                                                                                                                                                              الثالث : التحدي بطلب المعارضة والمقابلة .

                                                                                                                                                                                                                              قال الجوهري : تحديت فلانا إذا باريته في فعل ونازعته الغلبة وحدأ حدوا هو حادي الإبل ، وأحدى بها حداء إذا غنى ، ومن المجاز : تحدى أقرانه إذا باراهم ونازعهم الغلبة ، وأصله في الحدا يتبارى فيه الحاديان ويتعارضان فيتحدى كل واحد منهما صاحبه أي طلب حداه ، وفي حواشي الكشاف : كانوا عند الحدو يقوم حاد عن يمين العطار ، وحاد عن يساره يتحدى كل واحد منهما صاحبه المعنى يمتحديه أي يطلب منه حداه ثم اتسع فيه ، حتى استعمل في كل مباراة ذكره الإمام الطيبي- رحمه الله تعالى- .

                                                                                                                                                                                                                              الرابع : الهاء في المعجزة للمبالغة وتوكيد الصفة ، كما في علامة ونسابة ، وأضيفت الهاء لهذا المعنى دون باقي الحروف ، لأنها كما قال السهيلي في روضه : غاية الصوت ومنتهاه ، لأنها من أقصى الحلق ، إما قبلها أو معها أو بعدها ، وقبل الألف أو معها أو بعدها أيضا كما هو مذهب سيبويه ، ومن ثم لا يكسر لما هي فيه فلا يقال في علامة ونسابة ، علاليم ونساسيب لئلا يذهب اللفظ الدال على المبالغة كما لم يكسر المصغر لذلك ، وقيل : الهاء فيه للنقل من الوضعية كما في الحقيقة ، لأنها مأخوذة من العجز وجعل الدلالة .

                                                                                                                                                                                                                              الخامس : قال بعضهم : إن كبار الأئمة يسمون معجزات الأنبياء دلائل النبوة ، وآيات النبوة ، ولم يرد في القرآن ولا في السنة لفظ المعجزة ، وإنما فيهما لفظ الآية والبينة والبرهان ، فأما لفظ الآية فكثير ولفظ المعجزة إذا أطلق لا يدل على كون ذلك آية إلا إذا فسر المراد به ، وذكرت شرائطه ، والحاكم في توجيه ذلك وتصنيف التعيين بالمعجزة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : لفظ المعجزة وضعه المتكلمون على ما اشتمل على الشروط الأربعة السابقة من آيات الأنبياء صلى الله عليهم وسلم ولا صيغة لذلك خلافا لما زعمه والتعيين بالآية والبرهان والبينة لا ينافس ذلك . وكل معجزة آية وبرهان وبينة ولا عكس ، كما يظهر في الكلام على حد المعجزة .

                                                                                                                                                                                                                              السادس : أنه صلى الله عليه وسلم كون الحمد لله في خبر ضماد بأن اسمية الجملة التي هي في الأصل إخبارية أريد بها الإنشاء تنزيلا للسلامة منزلة المذكر كونه «الحمد لله» بالذات لله إزالة لما عسى يكون عنده من الإنكار وأردف صلى الله عليه وسلم بكل الجملة بجملة فعلية تلويحا بأنه مقام تجديد نعم يؤذن الحمد بازديادها ، فناسب أن يورد ما يدل على تجدد ، والحدوث أو حمد الله- تبارك وتعالى- بهما مبالغة من حمده لما مر عليه من شرائف النعم وكرائم التتميم أو حمل [ ص: 411 ]

                                                                                                                                                                                                                              للأولى على الخبر ، وهذه على الإنشاء ، وهي بكون العظمة إخطار لملزومها الذي هو ما أنعم عليه ربه به ، تعظيما وتبجيلا امتثالا لقوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث [الضحى - 11] فلم يقل : وشهد ، ليجري على ما قبله تفننا من الكلام ، فإنه نقله من أسلوب إلى آخر يزيده حسن نظرته ، أي إحداثا وتجديدا لنشاط السامع وإيقاظا لإصغائه أكثر .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية