الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                                                                                                                              سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

                                                                                                                                                                                                                              الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              الباب الخامس فيما اختص به-صلى الله عليه وسلم- عن أمته عن الواجبات

                                                                                                                                                                                                                              والحكمة من اختصاصه بها زيادة الزلفى والدرجات فلن يتقرب المتقربون إلى الله تعالى بمثل أداء ما افترض عليهم ، كما في الصحيح عن أبي هريرة- رضي الله تعالى عنه- .

                                                                                                                                                                                                                              قال العلماء : خص الله تعالى نبيه -صلى الله عليه وسلم- عن خلقه بواجبات عليه ، لعلمه بأنه أقوم بها منهم ، وأصبر عليها منهم .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : ليجعل أجره بها أعظم من أجرهم ، وقربه بها أزيد من قربهم .

                                                                                                                                                                                                                              وأما ما أباحه له مما حرمه عليهم ، فليظهر بذلك كرامته ، ويبين اختصاصه ومنزلته .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : لعلمه بأن ما خصه به من الإباحة لا يلهيه عن طاعة ، وإن ألهاهم ، ولا يعجزه عن القيام بحقه وإن أعجزهم ، ليعلموا أنه على طاعة الله أقدر ، وعلى حقه أقوم .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه نوعان :

                                                                                                                                                                                                                              الأول : فيما يتعلق بالأحكام غير النكاح .

                                                                                                                                                                                                                              وفيه مسائل :

                                                                                                                                                                                                                              الأولى : اختص -صلى الله عليه وسلم- بوجوب الوضوء لكل صلاة ، وإن لم يحدث ثم نسخ .

                                                                                                                                                                                                                              روى أبو داود والبيهقي في سننيهما ، وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما عن عبد الله بن حنظلة- رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يؤمر بالوضوء لكل صلاة طاهرا كان أو غير طاهر ، فلما شق عليه ذلك أمر بالسواك عند كل صلاة ، ووضع عنه الوضوء إلا من حدث . إسناده جيد وفيه اختلاف لا يضر .

                                                                                                                                                                                                                              الثانية : وبالسواك في الأصح للحديث السابق ، وهل كان الواجب عليه في العمر مرة أو عند كل صلاة مفروضة ، أو مطلقا أو في الأحوال التي يتأكد فيها استحبابه في حق الأمة ، أو ما هو أعم من ذلك ؟ وحكى بعضهم أنه كان واجبا عليه في الوقت المتأكد في حقنا ، وقيل : لكل صلاة .

                                                                                                                                                                                                                              قلت : ويشهد له حديث عبد الله بن حنظلة السابق في الأولى .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : عند تغير الفم .

                                                                                                                                                                                                                              وقيل : عند نزول الوحي ، قاله النووي في "التنقيح شرح الوسيط" .

                                                                                                                                                                                                                              الثالثة : وبوجوب صلاة الضحى على الصحيح وقال البلقيني : لم تكن الضحى واجبة [ ص: 396 ]

                                                                                                                                                                                                                              عليه ، جزموا به .

                                                                                                                                                                                                                              ففي صحيح مسلم ، عن عبد الله بن شقيق- رضي الله تعالى عنه- قال : قلت لعائشة- رضي الله تعالى عنها- : أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى ؟ قالت : لا إلا أن يجيء من مغيبه .

                                                                                                                                                                                                                              وذكر أحاديث كثيرة في ذلك . وقال في الخادم : أخرج البخاري عن ابن أبي ليلى يقول : "ما حدثنا أحد أنه رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الضحى غير أم هانئ ، فإنها قالت : إن النبي -صلى الله عليه وسلم- دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل وصلى ثماني ركعات ، فلم أر صلاة قط أخف منها ، غير أنه يتم الركوع والسجود" ثم قال : وإذا قلنا فهل كان الواجب عليه أقل الضحى ، أو أكثرها أو أدنى كمالها ، لم يتعرضوا له نعم .

                                                                                                                                                                                                                              روى الإمام أحمد والطبراني عن ابن عباس مرفوعا : "ثلاث علي فريضة وهن لكم تطوع ، الوتر ، وركعتا الفجر ، وركعتا الضحى" .

                                                                                                                                                                                                                              الرابعة : والوتر على الصحيح .

                                                                                                                                                                                                                              وقال البلقيني : لم يكن الوتر واجبا عليه ، خلافا لما صححوه . فقد صح أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يوتر على بعيره ، وبه احتج الشافعي- رضي الله تعالى عنه- على عدم وجوب الوتر على الأمة ، فيكون مذهب الشافعي أنه ليس بواجب عليه مطلقا ، ولا دليل لمن قال : كان واجبا عليه في الحضر دون السفر .

                                                                                                                                                                                                                              وفي الخادم ، من خصائصه -صلى الله عليه وسلم- جواز الوتر على الراحلة ، وبذلك صرح النووي في باب التطوع من شرح مسلم .

                                                                                                                                                                                                                              قال في الخادم : وإذا قلنا بالوجوب ، فهل كان الواجب عليه أقل الوتر أم أكثر أم أدنى ؟ لم يتعرضوا له أيضا ، والظاهر أن مرادهم الجنس .

                                                                                                                                                                                                                              الخامسة : وصلاة الليل .

                                                                                                                                                                                                                              السادسة : وركعتا الفجر .

                                                                                                                                                                                                                              السابعة : والأضحية .

                                                                                                                                                                                                                              روى الطبراني والبيهقي عن عائشة- رضي الله تعالى عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "ثلاث هن علي فرائض ، وهن لكم سنة : الوتر ، والسواك ، وقيام الليل" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والدارقطني والحاكم والبيهقي عن ابن عباس- رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : "ثلاث هن علي فرائض ولكم تطوع : النحر ، والوتر ، وركعتا الفجر" . [ ص: 397 ]

                                                                                                                                                                                                                              ورواه الإمام أحمد والبزار من وجه آخر عنه .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد والطبراني عنه ، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : "ثلاث علي فرائض وهن لكم تطوع : الوتر ، وركعتا الفجر ، وركعتا الضحى" .

                                                                                                                                                                                                                              وروى الإمام أحمد وعبد بن حميد عنه "أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها ، وأمرت بالأضحية ولم تكتب عليكم" .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية