الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              ومنها : أن يغتسل من بئر الحرة لدخول المدينة الشريفة ويلبس أنظف ثيابه ويتطيب ، وهو مستحب كما ذكره النووي وغيره .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الكرماني الحنفي : فإن لم يغتسل خارج المدينة؛ فليغتسل بعد دخولها في حديث المنذر بن ساوى التميمي أنه وفد من البحرين مع أناس ، فذهبوا بسلاحهم ، فسلموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ووضع المنذر سلاحه ولبس ثيابا كانت معه ، ومسح لحيته بدهن ، فأتى نبي الله- صلى الله عليه وسلم- الحديث ، ولتجتنب بعض ما يفعله المحرم من التحرر عن المخيط تشبها مجال الإحرام .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها إذا شاهد القبة المنيفة وشارف دخول المدينة الشريفة ، فليلزم الخشوع والخضوع مستحضرا عظمتها ، وأنها البقعة التي اختارها الله تعالى لنبيه وحبيبه ووصيفه- صلى الله عليه وسلم- وتمثل في نفسه مواضع أقدام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند نزوله فيها ، وأنه ما من موضع يطؤه إلا موضع قدمه العزيز ، فلا يضع قدمه عليه إلا مع الهيبة والسكينة متصورا خشوعه- صلى الله عليه وسلم- في المشي وتعظيم الله تعالى له ، حتى قرن ذكره بذكره ، وأحبط عمل من انتهك شيئا من حرمته ، ولو يرفع صوته فوق صوته ، ويتأسف على فوت رؤيته في الدنيا ، وأنه من رؤيته في الآخرة على خطر لسوء صنعه وقبح فعله ، ثم يستغفر لذنبه ، ويلتزم سلوك سبيله ، ليفوز بالإقبال عند اللقاء ، ويحظى بتحية القبول من ذي البقاء .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : أن لا يخل بشيء مما أمكنه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب عند انتهاك حرمة من حرمه أو تضييع شيء من حقوقه- صلى الله عليه وسلم- فإن من علامات المحب غيرة المحب لمحبوبه ، وأقوى الناس ديانة أعظمهم غيرة ، وإذا خلا القلب من الغيرة فهو من المحبة خلا ، وإن زعم المحبة فهو كاذب .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : أن يقول عند دخوله من باب البلد : بسم الله ، ما شاء الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق ، واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا ، حسبي الله ، آمنت بالله ، توكلت على الله ، لا حول ولا قوة إلا بالله ، اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك ، وبحق ممشاي هذا إليك ، فإني لم أخرج بطرا ولا أشرا ولا رياء ولا سمعة ، وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، فأسألك أن تعيذني من النار ، وأن تغفر لي ذنوبي ، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، وليحرص على ذلك كلما قصد المسجد ، ففي حديث أبي سعيد [ ص: 388 ] الخدري- رضي الله تعالى عنه- مرفوعا : من قال ذلك في مسيره إلى المسجد ، وكل الله به سبعين ألف ملك يستغفرون له ، ويقبل الله عليه بوجهه ، ثم ليقوي في قلبه شرف المدينة ، وأنها حوت أفضل بقاع الأرض بالإجماع ، وإن بعض العلماء قال : إن المدينة أفضل أمكنة الدنيا ، وفيها أرض مشى جبريل في عرصاتها ، الله شرفها به وحماها .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها : أن يقدم صدقة بين يدي نجواه ويبدأ بالمسجد الشريف قبل التعريج على أمر من الأمور أي شيء هو إلى مباشرته في ذلك الوقت غير مضطر ولا مضرور ، فإذا شاهد المسجد النبوي والمسجد المحمدي؛ فليستحضر أنه أتى مهبط أبي الفتوح جبريل ، ومنزل أبي الغنائم ميكائيل ، والموضع الذي خصه الله تعالى بالوحي والتنزيل؛ فليزدد خشوعا وخضوعا بهذا المقام ويقتضيه هذا المسجد الذي ترتعد دونه الأقدام ويجتهد في أن يوفق للوفاء بحقه من التعظيم والقيام .

                                                                                                                                                                                                                              ومنها ما قاله القاضي فضل الله بن نصر التوزي : من أن الدخول من باب جبريل أفضل ، وجرت عادة القادمين من ناحية باب السلام بالدخول منه ، فإذا أراد الدخول فليفرغ قلبه وليستصف ضميره ، ويقدم رجله اليمنى ، ويقول : أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وبنوره القديم من الشيطان الرجيم ، بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد لله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ما شاء الله ، لا قوة إلا بالله ، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا ، اللهم اغفر لي ذنوبي ، وافتح لي أبواب رحمتك ، رب وفقني وسددني وأصلحني ، وأعني على ما يرضيك عني . ويقف عند النبي بحسن الأدب ثم يقول في هذه الحضرة الشريفة : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ولا يترك ذلك كلما دخل المسجد أو خرج منه إلا أنه يقول عند خروجه : افتح لي أبواب فضلك ، بدل قوله : وافتح لي أبواب رحمتك .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية