الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
حديث حليمة

أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا أبو الغنائم محمد بن علي بن ميمون قال:

أخبرنا محمد بن علي بن عبد الرحمن الحسني وأبو طالب علي بن محمد اليماني قالا:

أخبرنا محمد الحسين السلمي قال: أخبرنا عبد الله بن زيدان قال: أخبرنا هارون بن إدريس السلمي قال: أخبرنا عبد الرحمن - يعني المحاربي - عن محمد بن إسحاق قال: حدثني جهم بن أبي جهم الجمحي ، عن عبد الله بن جعفر عن حليمة ابنة الحارث - أم رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أرضعته - السعدية قالت:

خرجت في نسوة من بني سعد بن بكر بن هوازن تلتمس الرضعاء بمكة ، فخرجت على أتان لي قمراء قد أذمت بالركب قالت: وخرجنا في سنة شهباء ، لم تبق [لنا] شيئا أنا وزوجي الحارث بن عبد العزى ، قالت: ومعنا شارف لنا والله لم تبض علينا بقطرة من لبن ، ومعي صبي ما ننام ليلنا من بكائه ، وما في ثديي من لبن يغنيه ، ولا في شارفنا من لبن يغذيه ، إلا أنا نرجو ، فلما قدمنا مكة لم يبق منا امرأة إلا عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه وإنما كنا نرجو الكرامة في رضاعة من نرضع له من أبي [ ص: 262 ] المولود ، فكان نبينا صلى الله عليه وسلم ، فقلنا ، ما عسى أن تصنع لنا أمه؟ فكنا نأبى ، حتى لم يبق من صويحباتي امرأة إلا أخذت رضيعا غيري .

قالت: فكرهت أن أرجع ولم آخذ شيئا ، وأخذ صويحباتي ، فقلت لزوجي الحارث: والله لأرجعن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه . قالت: فأتيته فأخذته ، ثم رجعت إلى رحلي . فقال لي زوجي: قد أخذته . قالت: قلت: نعم ، وذاك أني لم أجد غيره .

قال: قد أصبت عسى الله أن يجعل لنا فيه خيرا . قالت: والله ما هو إلا أن وضعته في حجري ، فأقبل عليه ثدياي بما شاء من لبن فشرب حتى روي ، وشرب أخوه حتى روي ، وقام زوجي الحارث إلى شارفنا ، فإذا هي ثجاء [فحلب] علينا ما شئنا فشرب حتى روي وشربت حتى رويت .

قالت: فمكثنا بخير ليلة شباعا رواء . قالت: فقال زوجي: والله يا حليمة ما أراك إلا قد أصبت نسمة مباركة ، قد نام صبياننا ، وقد روينا .

قالت: ثم خرجنا فو الله لخرجت أتاني أمام الركب ، قد قطعتهم حتى ما يتعلق بها منهم أحد ، حتى إنهم ليقولون: ويحك يا بنت الحارث ، كفي عنا ، أليست هذه أتانك التي خرجت عليها؟ فأقول: بلى والله ، فيقولون: إن لها لشأنا حتى قدمت منازلنا من حاضر منازل بني سعد بن بكر . قالت: فقدمنا على أجدب أرض الله . قالت: فو الذي نفس حليمة بيده إن كانوا ليسرحون أغنامهم إذا أصبحوا وأسرح [راعي] غنيمتي ، وتروح غنمي حفلا بطانا ، وتروح أغنامهم جياعا هلكى ، ما بها من لبن فنشرب ما شئنا من اللبن ، وما من الحاضر من أحد يحلب قطرة ولا يجدها . قالت: فيقولون لرعاتهم:

ويلكم ألا تسرحون حيث يسرح راعي حليمة . فيسرحون في الشعب الذي يسرح فيه ، وتروح أغنامهم جياعا ما لها من لبن وتروح غنمي حفلا لبنا .

قالت: وكان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر! ويشب في الشهر شباب [ ص: 263 ] الصبي في سنة . قالت: فبلغ سنتين وهو غلام جفر . قالت: فقدمنا به على أمه ، فقلت لها ، وقال لها زوجي: دعي ابني فلنرجع به ، فإنا نخشى عليه وباء مكة . قالت:

ونحن أضن شيء به لما رأينا من بركته صلى الله عليه وسلم . فلم نزل بها حتى قالت: ارجعي به .

قالت: فمكث عندنا شهرين ، قالت فبينما هو يلعب يوما مع إخوته خلف البيت إذ جاء أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه: أدركا أخي القرشي فقد جاءه رجلان فأضجعاه فشقا بطنه .

قالت فخرجت وخرج أبوه يشتد نحوه ، فانتهينا إليه وهو قائم ممتقع لونه ، فاعتنقته واعتنقه أبوه وقال: مالك يا بني؟ قال: أتاني رجلان عليهما ثياب بيض فأضجعاني فشقا بطني ، والله ما أدري ما صنعا .

قالت: فاحتملناه ورجعنا به . قالت: يقول زوجي يا حليمة ، والله ما أرى الغلام إلا قد أصيب ، فانطلقي فلنرده إلى أمه قبل أن يظهر به ما نتخوف عليه . قال: فرجعنا به إلى أمه . فقالت: ما ردكما وكنتما حريصين عليه؟ فقلنا: لا والله إلا أنا كفلناه وأدينا الذي علينا من الحق فيه ثم تخوفنا عليه الأحداث ، فقلنا يكون عند أمه .

قالت: والله ما ذاك بكما ، فأخبراني خبركما وخبره ، قالت: والله ما زالت بنا حتى أخبرناها خبره . قالت: أتخوفتما عليه . لا والله إن لابني هذا شأنا ألا أخبركما عنه؟

إني حملت به فلم أحمل حملا قط هو أخف منه ، ولا أعظم بركة منه ، ولقد وضعته فلم يقع كما يقع الصبيان ، لقد وقع واضعا يده في الأرض رافعا رأسه إلى السماء . دعاه والحقا بشأنكما .

التالي السابق


الخدمات العلمية