الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر ما جرى في السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم

قال مؤلف الكتاب: من ذلك شق صدره ، وقد ذكرناه ، وظاهر هذا الحديث أن

[ ص: 264 ]

آمنة حملت غير رسول الله . وقد قال الواقدي : لا يعرف عنه أهل العلم أن لآمنة وعبد الله ولدا غير رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وأما حليمة: فهي بنت أبي ذؤيب - واسمه: عبد العزى بن الحارث بن شجنة بن جابر - السعدية ، قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تزوج خديجة ، فشكت إليه جدب البلاد ، فكلم خديجة فأعطتها أربعين شاة ، وأعطتها بعيرا ، ثم قدمت عليه بعد النبوة فأسلمت وبايعت ، وأسلم زوجها الحارث بن عبد العزى .

أخبرنا ابن الحصين قال: أخبرنا ابن المذهب قال: أخبرنا أحمد بن جعفر قال:

أخبرنا عبد الله بن أحمد قال: أخبرني أبي قال: أخبرنا حيوة . وزيد بن عبد ربه قالا:

أخبرنا بقية قال: حدثني يحيى بن سعيد ، عن خالد بن معدان ، عن أبي عمرو السلمي ، عن عتبة بن عبد السلمي : أنه حدثهم أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: كيف كان أول شأنك يا رسول الله؟

قال: "كانت حاضنتي من بني سعد بن بكر ، فانطلقت أنا وابن لها في بهم لنا ، ولم نأخذ معنا زادا ، فقلت: يا أخي اذهب فأتنا بزاد من عند أمنا ، فانطلق أخي ومكثت عند البهم ، فأقبل طائران أبيضان كأنهما نسران فقال أحدهما لصاحبه: أهو هو؟ قال:

نعم . فأقبلا يبتدراني فأخذاني فبطحاني إلى القفا ، فشقا بطني ، ثم استخرجا قلبي فشقاه ، فأخرجا منه علقتين سوداوين . فقال أحدهما لصاحبه: ائتني بماء وثلج فغسلا [به] جوفي ، ثم قال: ائتني بماء برد فغسلا به قلبي ثم قال ائتني بالسكينة . فذراها في قلبي ثم قال أحدهما لصاحبه: خطه . فخاطه وختم عليه بخاتم النبوة ، وقال أحدهما لصاحبه: اجعله في كفة واجعل ألفا من أمته في كفة فإذا أنا أنظر إلى الألف فوقي أشفق أن يخر علي بعضهم . ثم قال: لو أن أمته وزنت به لمال بهم . [ ص: 265 ]

ثم انطلقا وتركاني وقد فرقت فرقا شديدا ، ثم انطلقت إلى أمي ، فأخبرتها بالذي لقيت ، فأشفقت أن يكون التبس بي فقالت: أعيذك بالله فحملتني على الرحل وركبت خلفي ، حتى إذا بلغنا إلى أمي فقالت: أديت أمانتي وذمتي ، وحدثتها الحديث ، فلم يرعها [ذلك] وقالت: إني رأيت حين خرج مني نورا أضاءت منه قصور الشام
. وروي [عن] مكحول ، عن شداد بن أوس قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أقبل شيخ من بني عامر فقال: يا ابن عبد المطلب ، إني أنبئت أنك تزعم أنك رسول [الله] إلى الناس ، فأنبئني بحقيقة ذلك وبدو شأنك .

"يا أخا بني عامر ، إن حقيقة قولي وبدو شأني دعوة أبي إبراهيم ، وبشرى أخي عيسى بن مريم ، وإن أمي لما وضعتني كنت مسترضعا في بني ليث بن بكر ، فبينا أنا ذات يوم منتبذ من أهلي في بطن واد مع أتراب لي من الصبيان ، إذ أنا برهط ثلاثة معهم طست من ذهب مليء ثلجا ، فأخذوني من بين أصحابي ، فخرج أصحابي هرابا حتى انتهوا إلى شفير الوادي ، ثم أقبلوا على الرهط فقالوا: ما أربكم إلى هذا الغلام؟ فإنه ليس منا ، هذا ابن سيد قريش ، وهو مسترضع فينا ، غلام يتيم ليس له أب ، فماذا يرد عليكم قتله؟ فإن كنتم لا بد قاتليه فاختاروا منا أينا شئتم فاقتلوه .

فلما رأى الصبيان أن القوم لا يحيرون إليهم جوابا انطلقوا هرابا مسرعين إلى [ ص: 266 ] الحي ، يستصرخونهم ، فعمد أحدهم فأضجعني على الأرض إضجاعا لطيفا ، ثم شق ما بين مفرق رأسي إلى منتهى عانتي ، وأنا أنظر إليه ، ولم أجد لذلك مسا ، ثم أخرج أحشاء بطني ثم غسلها بذلك الثلج ، فأنعم غسلها ، ثم أعادها مكانها ثم قام الثاني منهم فقال لصاحبه: تنح . فنحاه عني ، ثم أدخل يده من جوفي فأخرج قلبي ، وأنا أنظر إليه ، فصدعه ثم أخرج منه مضغة سوداء فرمى بها ، ثم قال: قال بيمينه ويساره كأنه يتناول شيئا فإذا [أنا] بخاتم في يده من نور يحار الناظرون دونه فختم [به] قلبي فامتلأ نورا ، ثم أعاده مكانه ، فوجدت برد ذلك الخاتم في قلبي دهرا ، ثم قال الثالث لصاحبه: تنح فنحاه عني ، فأمر بيده ما بين مفرق صدري إلى منتهى عانتي ، فالتأم ذلك الشق بإذن الله تعالى ، ثم أخذ بيدي فأنهضني من مكاني إنهاضا لطيفا ، ثم قال للأول للذي شق بطني: زنه بعشرة من أمته . فوزنني بهم فرجحتهم . ثم قال: زنه بمائة من أمته .

فوزنني بهم فرجحتهم . ثم قال: زنه بألف من أمته فوزنني بهم فرجحتهم . فقال:

دعوه ، فلو وزنتموه بأمته كلها لرجحهم .

قال: ثم ضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي وبين عيني ، ثم قالوا: يا حبيب لم ترع إنك لو تدري ما يراد بك من الخير [ولو علمت ما يراد بك] لقرت عيناك . قال: فبينا نحن كذلك إذا أنا بالحي قد جاءوني بحذافيرهم ، وإذا أمي وهي ظئري أمام الحي تهتف بأعلى صوتها وهي تقول: يا ضعيفا . فأكبوا علي ، وقبلوا رأسي وما بين عيني ، فقالوا: حبذا أنت من ضعيف . ثم قالت ظئري: يا وحيدا . فأكبوا علي

[ ص: 267 ]

فضموني وقبلوا ما بين رأسي وعيني ، ثم قالت ظئري: يا يتيما يا مستضعفا أنت من بين أصحابك فقتلت لضعفك . ثم ضمتني إلى صدرها ، فو الذي نفسي بيده إنني لفي حجرها وإن يدي لفي يد بعضهم ، فجعلت ألتفت إليهم وظننت أن القوم يبصرونهم ، فإذا هم لا يبصرونهم ، فقال بعض القوم: إن هذا الغلام قد أصابه لمم أو طائف من الجن ، فانطلقوا به إلى كاهننا حتى ينظر إليه ويداويه . فقلت ما بي [من] شيء مما يذكر . فقال أبي - وهو زوج ظئري: ألا ترون كلامه كلام صحيح ، إني لأرجو أن لا يكون يا بني بأس . فاتفقوا على أن يذهبوا بي إلى الكاهن ، فذهبوا بي إليه ، فقصوا عليه قصتي ، فقال: اسكتوا حتى أسمع من الغلام ، فإنه أعلم بأمره منكم .

فسألني فقصصت عليه أمري ، فوثب إلي وضمني إلى صدره ، ثم نادى بأعلى صوته: يال العرب ، اقتلوا هذا الغلام واقتلوني معه ، فو اللات والعزى لئن تركتموه وأدرك ليبدلن دينكم . ثم احتملوني فذاك بدو شأني"
.

أخبرنا [محمد] بن عبد الباقي البزاز قال: أخبرنا الجوهري قال: أخبرنا ابن حيويه قال: أخبرنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحارث بن أبي أسامة قال: أخبرنا محمد بن سعد قال: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه قال:

لما قامت سوق عكاظ انطلقت حليمة برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عراف من هذيل يريه الناس صبيانهم . قال: فلما نظر إليه صاح: يا معشر هذيل ، يا معشر العرب ، فاجتمع إليه الناس من أهل الموسم . فقال: اقتلوا هذا الصبي . فانسلت به حليمة ، فجعل الناس [ ص: 268 ] يقولون: أي صبي؟ فيقول: هذا الصبي . فلا يرون شيئا . قد انطلقت به أمه . فيقال له: ما هو ؟ فيقول: رأيت غلاما ، وآلهته ، ليقتلن أهل دينكم ، وليكسرن آلهتكم ، وليظهرن أمره عليكم . فطلب بعكاظ ، فلم يوجد ورجعت به حليمة إلى منزلها ، وكانت بعد ذلك لا تعرضه لعراف ولا لأحد من الناس .

قال محمد بن عمر: وحدثني زياد بن سعد بن عيسى بن عبد الله بن مالك قال:

جعل الشيخ الهذلي يصيح: [يال العرب] يال هذيل ، إن هذا لينتظر أمرا من السماء .

وجعل يغري بالنبي لله ، فلم ينشب أن وله [وذهب] عقله حتى مات كافرا .

قال محمد بن عمر : وحدثني معاذ بن محمد بن أبي رباح ، عن ابن عباس قال :

خرجت حليمة تطلب النبي صلى الله عليه وسلم فوجدته مع أخته ، فقالت: في هذا الحر! فقالت أخته: يا أماه ، ما وجد أخي حرا ، رأيت غمامة تظل عليه فإذا وقف وقفت ، وإذا سار سارت معه ، حتى انتهى إلى هذا الموضع .

[وهذا كان في السنة الثالثة من مولده صلى الله عليه وسلم] .

وفي هذه السنة: من مولده صلى الله عليه وسلم ولد أبو بكر الصديق رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية