الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ومن الحوادث [في هذه السنة] هلاك شيرويه فإنه لما أمر بقتل أبيه قتل معه سبعة عشر أخا له ذوي أدب وشجاعة ، فابتلي بالأسقام ، وجزع بعد قتلهم جزعا شديدا ، [إذ] دخلت عليه أختاه: بوران ، وآزرميدخت ، فأغلظتا له ، وقالتا: حملك الحرص على ملك لا يتم لك على قتل أبيك وجميع إخوتك ، فبكى بكاء شديدا ، ورمى بالتاج عن رأسه ، ولم يزل مدنفا ، وفشا الطاعون في أيامه ، فهلك أكثر الناس .

ومن الحوادث [في هذه السنة]

وصول هدية المقوقس

فإنها وصلت في سنة سبع ، وهي: مارية ، وسيرين ، ويعفور ، والدلدل . وكانت بيضاء ، فاتخذ لنفسه مارية ، ووهب سيرين لحسان بن ثابت .

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا ابن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثنا يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة ، قال:

بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة مارية وأختها سيرين ، وألف مثقال ذهبا ، وعشرين ثوبا [لينا] ، وبغلته الدلدل ، وحماره يعفور: وقال يعقوب: ومعهم خصي يقال له: مابور شيخ كبير كان أخا مارية ، وبعث بذلك كله مع حاطب بن أبي بلتعة ، فعرض حاطب على مارية الإسلام ورغبها فيه ، فأسلمت وأسلمت أختها وأقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجبا بأم إبراهيم وكانت بيضاء جميلة ، فأنزلها [ ص: 300 ]

[رسول الله صلى الله عليه وسلم] في العالية في المال الذي يقال له [اليوم] مشربة أم إبراهيم ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إليها هناك وضرب عليها الحجاب ، وكان يطأها بملك اليمين ، فلما حملت ووضعت [هناك] وقبلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبراهيم فوهب له عبدا ، وذلك في ذي الحجة سنة ثمان ، وتنافست الأنصار في إبراهيم ، وأحبوا أن يفرغوا مارية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من هواه فيها
.

قال محمد بن سعد : وأخبرنا محمد بن عمر ، عن محمد بن عبد الله الأنصاري ، [عن الزهري ] ، عن أنس بن مالك ، قال: كانت أم إبراهيم في مشربتها ، وكان قبطي يأوي إليها ويأتيها بالماء والحطب ، فقال الناس في ذلك: علج يدخل على علجة ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوجده على نخلة ، فلما رأى السيف وقع في نفسه فألقى الكساء الذي كان عليه وتكشف فإذا هو مجبوب ، فرجع علي رضي الله عنه [إلى النبي صلى الله عليه وسلم] فأخبره فقال: يا رسول الله [أرأيت] إذا أمرت أحدنا بالأمر ثم رأى غير ذلك أيراجعك؟ قال: نعم ، فأخبره بما رأى من القبطي . قال مؤلف هذا الكتاب : [فإن قال قائل:] ظاهر هذا الحديث يدل على أن عليا رضي الله عنه أراد قتله ، وقد روي في حديث آخر صريحا ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا علي ، خذ السيف فإن وجدته عندها فاقتله" . فكيف يجوز القتل على التهمة؟

[ ص: 301 ]

فقد أجاب عنه ابن جرير الطبري ، وقال: من الجائز أن يكون قد كان من أهل العهد وأنه لم يسلم ، وقد كان تقدم إليه بالنهي عن الدخول إلى مارية ، فلم يقبل ، فأمر بقتله لنقض العهد .

التالي السابق


الخدمات العلمية