الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

321 - ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب ، وأمه العجلة بنت العجلان :

أخبرنا يحيى بن الحسن ، أخبرنا ابن المسلمة ، [أخبرنا المخلص ، أخبرنا أحمد بن سليمان الطوسي ] ، حدثنا الزبير بن بكار ، قال :

كان ركانة بن عبد يزيد أشد الناس ، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم : يا محمد ، إن صرعتني آمنت بك ، فصرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : أشهد أنك ساحر ، ثم أسلم بعد ، ونزل المدينة فمات بها في أول خلافة معاوية . أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال : أخبرنا الجوهري ، قال : أخبرنا ابن حيوية ، قال : أخبرنا أحمد بن معروف ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : حدثنا محمد بن ربيعة الكلابي ، عن أبي الحسن العسقلاني ، عن أبي جعفر محمد بن ركانة ، عن أبيه :

[ ص: 188 ] أنه صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم
.

وفي رواية : أن ركانة هذا كان لا يصرعه أحد . وأسلم يوم الفتح .

322 - رفاعة [بن رافع ] بن مالك بن العجلان :

شهد العقبة وبدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم .

323 - صفوان بن أمية بن خلف بن وهب بن حذافة بن جمح أبو وهب :

أخبرنا أبو بكر بن عبد الباقي ، قال : أخبرنا أبو بكر الجوهري ، قال : أخبرنا أبو عمر بن حيوية ، قال : أخبرنا أحمد بن معروف ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : حدثنا أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة ، عن موسى بن عقبة ، عن أبي حبيبة مولى الزبير ، عن عبد الله بن الزبير ، قال : لما كان يوم الفتح هرب صفوان بن أمية بن خلف حتى أتى الشعبية ، فقال عمير بن وهب اللخمي : يا رسول الله ، إن سيد قومي خرج هاربا ليقذف نفسه في البحر ، وخاف ألا تؤمنه ، فأمنه فداك أبي وأمي ، قال : قد أمنته . فخرج عمير بن وهب في أثره فأدركه ، فقال : جئتك من عند أبر الناس وأوصل الناس ، وقد أمنك ، فقال : لا والله حتى تأتيني منه بعلامة أعرفها ، فرجع عمير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأخبره ، فقال :

"خذ عمامتي " ، وهو البرد الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة معتجرا به برد حبرة ، فخرج عمير فأعطاه البرد فعرفه فرجع معه ، وانتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس العصر ، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم صرخ صفوان بن أمية : يا محمد ، إن عمير بن وهب جاءني ببردك وزعم أنك دعوتني إلى القدوم عليك ، فإن رضيت أمرا وإلا سيرتني شهرين ، قال : "انزل أبا وهب " قال : لا والله حتى يتبين لي ، قال : لك تسير أربعة أشهر ، فنزل صفوان ، وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل هوازن ، وخرج معه صفوان واستعاره رسول الله صلى الله عليه وسلم سلاحا ، فأعاره مائة درع بأداتها ، وشهد معه حنين والطائف وهو كافر ، ثم رجع الجعرانة ، فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في الغنائم ينظر إليها ومعه صفوان جعل صفوان ينظر [ ص: 189 ] إلى شعب ملاء نعم وشاء ورعاء ، فأدام إليه النظر ورسول الله صلى الله عليه وسلم يرمقه ، فقال : أبا وهب ، يعجبك هذا الشعب ، قال : نعم ، قال : هو لك وما فيه ، فقال صفوان عند ذلك : ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي ، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وأسلم مكانه وأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أيضا مع المؤلفة قلوبهم من غنائم حنين خمسين بعيرا
. قال محمد بن عمر : لم يزل صفوان صحيح الإسلام ، ولم يبلغنا أنه غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا ولا بعده ، ولم يزل مقيما بمكة إلى أن مات بها في أول خلافة معاوية .

324 - عثمان بن طلحة بن أبي طلحة بن عبد العزى :

أنبأنا محمد بن أبي طاهر ، قال : أخبرنا الجوهري ، قال : أخبرنا ابن حيوية ، قال : أخبرنا ابن معروف ، قال : أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال : حدثنا محمد بن سعد ، قال : أخبرنا محمد بن عمر ، قال : أخبرنا إبراهيم بن محمد العبدري ، عن أبيه ، قال : قال عثمان بن طلحة :

لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ودعاني إلى الإسلام ، فقلت : يا محمد ، العجب لك حيث تطمع أن أتبعك وقد خالفت دين قومك وجئت بدين محدث ، وفرقت جماعتهم ، فانصرف ، وكنا نفتح الكعبة في الجاهلية يوم الاثنين والخميس ، فأقبل يوما يريد أن يدخل الكعبة مع الناس ، فغلظت له ونلت منه ، وحلم عني ، ثم قال : "يا عثمان ، لعلك سترى هذا المفتاح يوما بيدي أضعه حيث شئت " ، فقلت له : لقد هلكت قريش يومئذ وذلت ، قال : "بل عزت " . ودخل الكعبة ، فوقعت كلمته مني موقعا ظننت أن الأمر سيصير إلى ما قال ، فأردت الإسلام ، فإذا قومي يزئروني زئرا شديدا ، فلما هاجر جعلت قريش تشفق من رجوعه عليها ، فهم على ما هم عليه حتى جاء إلى بدر ، فخرجت فيمن خرج ، وشهدت المشاهد كلها معهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة عام القضية غير الله قلبي ودخلني الإسلام ، وجعلت أفكر فيما نحن عليه [ ص: 190 ] وما نعبد من حجر لا يسمع ولا يبصر ، وأنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وظلف أنفسهم عن الدنيا ، فيقع ذلك مني ، ولم يعزم ، إلى أن آتيه حتى انصرف إلى المدينة راجعا ، ثم عزم لي على الخروج إليه ، فأدلجت ، فألقى خالد بن الوليد فاصطحبنا حتى نزلنا الهدة ، فما شعرنا إلا بعمرو بن العاص فانقمعنا منه وانقمع منا ، ثم قال : أين يريد الرجلان ؟ فأخبرناه ، فقال : وأنا أريد الذي تريدان ، فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعته على الإسلام وأقمت معه حتى دخلت معه في غزوة الفتح ودخل مكة وقال لي : "يا عثمان ، ائت بالمفتاح " فأتيت به ، فأخذه مني ثم دفعه إلي ، فقال : "خذها تالدة خالدة لا ينزعها إلا ظالم "
. قال محمد بن عمر : وكان قدوم عثمان المدينة في صفر سنة ثمان ، ولم يزل مقيما بالمدينة حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرجع إلى مكة ، فنزلها حتى مات بها في أول خلافة معاوية .

325 - عمرو بن الأسود السكوني :

كان حسن السمت والهدي .

أخبرنا ابن الحصين ، قال : أخبرنا ابن المذهب ، قال : أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال : حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال : حدثني أبي ، قال : حدثنا أبو اليمان ، قال : أخبرنا أبو بكر بن حكيم بن عمير ، وضمرة بن حبيب ، قالا :

قال عمر بن الخطاب : من سره أن ينظر إلى هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلينظر إلى هدي عمرو بن الأسود .

قال المصنف : كان عمرو إذا خرج من بيته إلى المسجد قبض يمينه على شماله مخافة الخيلاء ، وكان يشتري الحلة بمائتي درهم ، ويصبغها بدينار ويخمرها النهار كله ويقوم فيها الليل كله .

وقد أسند عن معاذ ، وعثمان ، والعرباض ، وغيرهم . [ ص: 191 ] 326 - عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى :

أمها أم كرز بنت الحضرمي ، أسلمت وبايعت وهاجرت ، فتزوجها عبد الله بن أبي بكر وجعل لها بعض أرضيه على ألا تتزوج بعده ، فلما توفي بعث إليها عمر وقال : إنك قد حرمت على نفسك ما أحل الله لك ، فردي المال وتزوجي ، فتزوجها عمر ، فأرسلت إليها عائشة أن ردي علينا أرضنا .

أنبأنا الحسن بن محمد البارع ، قال : أخبرنا أبو جعفر بن المسلمة ، قال : أخبرنا أبو طاهر المخلص ، قال : حدثنا أحمد بن سليمان بن داود الطوسي ، قال : حدثنا الزبير بن بكار قال : حدثنا محمد بن الضحاك الحزامي ، عن أبيه ، وأحمد بن عبيد الله ، عن عبد الله بن عاصم بن المنذر - يزيد أحدهما على صاحبه - قال :

تزوج عبد الله بن أبي بكر الصديق عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، وكانت حسناء ذات خلق بارع ، فشغلته عن مغازيه ، فأمره أبوه بطلاقها وقال : إنها قد شغلتك عن مغازيك ، فقال :


يقولون طلقها وخيم مكانها مقيما عليها الهم أحلام نائم     وإن فراقي أهل بيت جمعتهم
على كره مني لإحدى العظائم

ثم طلقها فمر به أبوه وهو يقول :


لم أر مثلي طلق العام مثلها     ولا مثلها في غير جرم يطلق
لها خلق جزل ورأي ومنصب     وخلق سوي في الحياة مصدق

فرق له أبوه وأمره بمراجعتها ، ثم شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزاة فأصابه سهم فمات منه فقالت زوجته عاتكة تبكيه :


رزيت بخير الناس بعد نبيهم     وبعد أبي بكر وما كان قصرا
وآليت لا تنفك عيني حزينة     عليك ولا ينفك جلدي أغبرا
فلله عينا من رأى مثله فتى     أكر وأحمى في الهياح وأصبرا

[ ص: 192 ]

إذا شرعت فيه الأسنة خاضها     إلى الموت حتى يترك الرمح أحمرا

ثم تزوجها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأولم ، وكان فيمن دعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال له : يا أمير المؤمنين دعني أكلم عاتكة ، فقال : كلمها يا أبا الحسن ، فأخذ علي رضي الله عنه بجانب الخدر ، ثم قال : يا عدية نفسها ، تقولين :


آليت لا تنفك عيني قريرة     عليك ولا ينفك جلدي أصفرا

فبكت ، فقال عمر : ما دعاك إلى هذا يا أبا الحسن ، كل النساء تفعلن هذا . ثم قتل عنها ، ثم تزوجها الزبير ، فكانت تخرج إلى المسجد وكان يكره خروجها ويحرج من منعها ، فخرجت ليلة إلى المسجد ، وخرج الزبير فسبقها إلى مكان مظلم ، فلما مرت به وضع يده على بعض جسدها ، فرجعت تتشنج ثم لم تخرج بعد ذلك ، فقال لها الزبير : ما لك لا تخرجين إلى المسجد كما كنت تفعلين ؟ فقالت : فسد الناس ، فقال : أنا فعلت ذلك ، فقالت : أليس يقدر غيرك أن يفعل مثله ، ولم تخرج حتى قتل عنها الزبير .

التالي السابق


الخدمات العلمية