الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وقال ابن المبارك إذا لم يكن عند الرجل مال فليس عليه واجبا أن يتعلم الزكاة فإذا كان عنده مائتا درهم وجب عليه أن يتعلم كيف يخرج وأين يضع ، وسائر الأعمال على هذا . وعن عطاء قال من جلس مجلسا للذكر كفر سبعين مجلسا من مجالس الباطل ، فإن كان ذلك المجلس في سبيل الله يكفر سبعين ألفا من مجالس الباطل قال عطاء ومجالس الذكر كيف أصلي كيف أزكي كيف أحج كيف أنكح كيف أطلق كيف أبيع كيف أشتري .

وقال إسحاق بن إبراهيم لأبي عبد الله : إن قوما يكتبون الحديث ولا أرى أثره عليهم ولا يرى لهم وقر ، فقال أبو عبد الله يؤولون في الحديث إلى خير وقال دخلت عليه يوما ومعي كتاب له فرميت به من قامتي فانتهرني وقال ترمي بكلام الأبرار .

وقال الشعبي : زين العلم حلم أهله وقال أيضا إن هذا العلم لا يصلح إلا لمن فيه عقل ونسك ، فاليوم يطلبه من لا عقل له ولا نسك فيه وقال ابن وهب عن الثوري عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار قال : لم نر شيئا إلى شيء أزين من حلم إلى علم .

وقال أبو داود لأحمد كتبت الحديث بنية قال : شرط النية شديد ولكن حبب إلي فجمعته وقال عبد الله سألت أبي عن رجل ملك خمسمائة درهم وهو رجل جاهل أيحج بها ، أو يطلب العلم ، قال : يحج لأن الحج فريضة وينبغي له أن يطلب العلم وقال المروذي قيل : لأبي عبد الله رجل له خمسمائة درهم ترى أن يصرفه في الغزو والجهاد أو يطلب العلم قال : إذا كان جاهلا يطلب العلم أحب إلي وقال في رواية يوسف بن موسى عجبت لمن يتثبط [ ص: 41 ] عن طلب العلم ويحتجون بالفضيل ولعل الفضيل قد اكتفى ليس يتثبط عن طلب العلم إلا جاهل وقال الربيع سمعت الشافعي يقول : طلب العلم أفضل من صلاة النافلة .

وذكر البيهقي قال مطرف بن الشخير : فضل العلم خير من فضل العبادة وخير دينكم الورع ، وروي مرفوعا بأسانيد ضعيفة وهو صحيح عن مطرف ذكره البيهقي وقال عبد الرزاق عن قتادة عن معمر عن مطرف قال : حظ من علم أحب إلي من حظ عبادة ، سمعت ابن عباس يقول : مذاكرة العلم ساعة أحب إلي من إحياء ليلة ، وروي من طريق أخرى عن ابن عباس مثله .

وقال ابن وهب أخبرني عتبة عن نافع عن زيد بن أسلم أن ابن مسعود كان يقول لئن أجلس مجلس فقه ساعة أحب إلي من صيام يوم وقيام ليلة وقال الأوزاعي سأل رجل ابن مسعود أي الأعمال أفضل قال : العلم ، فكرر عليه ثلاثا كل ذلك يقول العلم ، ثم قال ويحك إن مع العلم بالله ينفعك قليل العلم وكثيره ، ومع الجهل بالله لا ينفعك قليل العلم ولا كثيره وقال أبو نضرة عن أبي سعيد : مذاكرة الحديث أفضل من قراءة القرآن . .

وقال عبد الرزاق عن معمر عن الزهري ثنا عبد الله بمثل الفقه ذكر ذلك البيهقي وقال البخاري في التاريخ في ترجمة عبد الله بن مرة : قال أحمد حدثنا يحيى بن سعيد سمعت الأعمش حدثني عمرو بن مرة سمعت أبا عبيدة قال : قال أبو موسى لمقعد كنت أقعده من عبد الله أحب إلي من عمل سنة في نفسي وكان يحيى يقول فيه سمعت أبا موسى فلم يقله لنا يعلى عن الأعمش عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن أبي موسى وهذا إنما قاله لما يحصل له من علمه وهديه وسمته قال ابن شهاب : العلم أفضل من [ ص: 42 ] العمل لمن جهل ، والعمل أفضل من العلم لمن علم وقال حرب سمعت أحمد يقول : الناس محتاجون إلى العلم قبل الخبز والماء لأن العلم يحتاج إليه الإنسان في كل ساعة والخبز والماء في اليوم مرة أو مرتين .

وقال ابن هانئ قيل له يطلب الرجل الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به ؟ قال : العلم لا يعدله شيء وقال في رواية المروذي ليس قوم عندي خيرا من أهل الحديث ليس يعرفون إلا الحديث وقال في رواية أبي الحارث : أهل الحديث أفضل من تكلم في العلم وقال أبو إسماعيل الترمذي سمعت أحمد وقال له رجل أن رجلا قال إن أصحاب الحديث قوم سوء ، فقال هذا زنديق .

وقال الثوري أكثروا من الحديث فإنه سلاح وقال ابن المبارك إني لأسمع الحديث ما أريد أن أحدث به ولا أعمل به ولكن لأعده لأخ من إخواني يقع في الشيء فأجد له مخرجا ، وقيل لأحمد إلى متى يكتب الرجل قال حتى يموت وقال نحن إلى الساعة نتعلم . وللترمذي من حديث أبي سعيد وقال حسن غريب { لن يشبع المؤمن من خبر يسمعه حتى يكون منتهاه الجنة } .

وروى الخلال بإسناد صحيح عن عمر قال تفقهوا قبل أن تسودوا . وذكره البخاري تعليقا بصيغة الجزم قال الخطابي في كتاب العزلة : يريد من لم يخدم العلم في صغره يستحي أن يخدمه بعد كبر السن وإدراك السؤدد قال : وبلغني عن سفيان الثوري رحمه الله قال من ترأس في حداثته كان أدنى عقوبته أن يفوته حظ كثير من العلم .

وعن أبي حنيفة رحمه الله قال من طلب الرياسة بالعلم قبل أوانه لم يزل في ذل ما بقي ، وقيل للمبرد لم صار أبو العباس يعني ثعلب أحفظ منك للغريب والشعر ؟ قال لأني ترأست وأنا حدث وترأس وهو شيخ انتهى كلام الخطابي وروى البيهقي قول عمر المذكور من حديث وكيع عن ابن عون عن محمد بن سيرين عن [ ص: 43 ] الأحنف بن قيس عنه قيل معناه قبل أن تزوجوا .

وقال الشافعي إذا ترأست فلا سبيل إلى التفقه .

وروى الحاكم في تاريخه عن زفر قال أبو حنيفة : يا زفر لا تحدث قبل وقتك فيستخف بك .

وروى الخلال عن أيوب قال ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعا لله وقال المروذي قيل لأبي عبد الله قيل لابن المبارك كيف تعرف العالم الصادق قال الذي يزهد في الدنيا ويقبل على آخرته وقال أبو عبد الله : نعم هكذا يريد أن يكون .

وقال الفضيل : يغفر لسبعين جاهلا قبل أن يغفر لعالم واحد وقال أحمد ثنا سفيان بن عيينة سمعت فضيل بن عياض قال يغفر لجاهل سبعين ذنبا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد وقال أحمد أيضا : ثنا سيار بن حاتم ثنا جعفر بن سليمان عن ثابت عن أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الله يعافي الأميين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء } . وذكر الحافظ الذهبي هذا الخبر في ترجمة جعفر من المناكير . قال : وقيل أخطأ من حدث به عن جعفر . وسيار وثقه ابن حبان وغيره وقال الأزدي : عنده مناكير قال البيهقي : محمول إن صح على العالم الفاجر .

التالي السابق


الخدمات العلمية