الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وتباح المعانقة وتقبيل اليد والرأس تدينا وإكراما واحتراما مع أمن الشهوة ، وظاهر هذا عدم إباحته لأمر الدنيا ، واختاره بعض الشافعية ، والكراهة أولى . وكذا عند الشافعية تقبيل رجله .

وقال المروذي سألت أبا عبد الله عن قبلة اليد فقال : إن كان على طريق التدين فلا بأس قد قبل أبو عبيدة يد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما وإن كان على طريق الدنيا فلا ، إلا رجلا يخاف سيفه أو سوطه .

وقال المروذي أيضا : وكرهها على طريق الدنيا ، وقال تميم بن سلمة التابعي القبلة سنة .

وقال مهنا بن يحيى رأيت أبا عبد الله كثيرا يقبل وجهه ورأسه وخده ولا يقول شيئا ، ورأيته لا يمتنع من ذلك ولا يكره ، ورأيت سليمان بن داود الهاشمي يقبل جبهته ورأسه ولا يمتنع من ذلك ولا يكرهه ورأيت يعقوب بن إبراهيم يقبل وجهه وجبهته .

وقال عبد الله بن أحمد رأيت كثيرا من العلماء والفقهاء والمحدثين وبني هاشم وقريش والأنصار يقبلونه يعني أباه بعضهم يديه وبعضهم رأسه ، ويعظمونه تعظيما لم أرهم يفعلون ذلك بأحد من الفقهاء غيره ، لم أره يشتهي أن يفعل ذلك .

وقال الخلال أخبرني إسماعيل بن إسحاق السراج قال قلت لأبي عبد الله أول ما رأيته يا أبا عبد الله ائذن لي أن أقبل رأسك قال : لم أبلغ أنا ذاك .

وقال إسحاق بن منصور لأبي عبد الله تقبل يد الرجل قال : على الإخاء .

وقال إسماعيل بن إسحاق الثقفي : سألت أبا عبد الله قلت : ترى أن يقبل الرجل رأس الرجل أو يده ؟ قال نعم وقال الشيخ تقي الدين تقبيل اليد لم يكونوا يعتادونه إلا قليلا . وذكر ما رواه أبو داود وغيره عن [ ص: 259 ] ابن عمر { أنهم لما قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم عام موته قبلوا يده } ، ورخص فيه أكثر العلماء كأحمد وغيره على وجه الدين وكرهه آخرون كمالك وغيره .

وقال سليمان بن حرب : هي السجدة الصغرى ، وأما ابتداء الإنسان بمد يده للناس ليقبلوها وقصده لذلك فهذا ينهى عنه بلا نزاع كائنا من كان بخلاف ما إذا كان المقبل هو المبتدئ بذلك انتهى كلامه .

وقال ابن عبد البر : كان يقال تقبيل اليد إحدى السجدتين ، وتناول أبو عبيدة يد عمر رضي الله عنهما ليقبلها فقبضها ، فتناول رجله فقال ما رضيت منك بتلك فكيف بهذه ؟ وقبض هشام بن عبد الملك يده من رجل أراد أن يقبلها وقال مه فإنه لم يفعل هذا من العرب إلا هلوع ، ومن العجم إلا خضوع .

وقال الحسن البصري قبلة يد الإمام العادل طاعة وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه قبلة الوالد عبادة وقبلة الولد رحمة ، وقبلة المرأة شهوة ، وقبلة الرجل إخاء دين .

وفي ترجمة هشام بن عروة بن الزبير أنه أراد أن يقبل يد المنصور فمنعه وقال نكرمك عنها ونكرمها عن غيرك .

وصرح ابن الجوزي بأن تقبيل يد الظالم معصية إلا أن يكون عند خوف وقال في مناقب أصحاب الحديث ينبغي للطالب أن يبالغ في التواضع للعالم ويذل نفسه له قال ومن التواضع للعالم تقبيل يده ، وقبل سفيان بن عيينة والفضيل بن عياض أحدهما يد حسين بن علي الجعفي والآخر رجله .

وقال إسحاق بن إبراهيم : إن أبا عبد الله احتج في المعانقة بحديث { أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم عانقه } قال : وسألت أبا عبد الله عن الرجل يلقى الرجل يعانقه قال نعم فعله أبو الدرداء .

وقال في الإرشاد المعانقة عند القدوم من السفر حسنة وقال الشيخ تقي الدين فقيدها بالقدوم من السفر وقال القاضي أطلق والمنصوص في السفر انتهى كلامه .

وروى البيهقي في السنن الكبير أخبرنا أبو نصر بن قتادة أنبأنا أبو الحسن بن إسماعيل السراج ثنا يوسف بن يعقوب القاضي ثنا سليمان بن يعقوب [ ص: 260 ] ثنا شعبة عن غالب التمار قال : كان محمد بن سيرين يكره المصافحة وذكرت ذلك للشعبي فقال كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا التقوا صافحوا ، فإذا قدموا من السفر عانق بعضهم بعضا إسناد جيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية