الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

السفاريني - محمد بن أحمد بن سالم السفاريني

صفحة جزء
وبالعلما يختص ما اختص علمه بهم وبمن يستنصرون به قد ( وبالعلما ) بالأحكام ، القائمين بشرائع الإسلام . الحافظين شريعة خير الأنام ، عليه أفضل الصلاة والسلام ، من مندوب ومباح ومكروه ، وحلال وحرام . والجار والمجرور متعلق بقوله ( يختص ) من عموم وجوب الأمر والنهي ( ما ) أي منكر ( اختص علمه ) أي علم ذلك المنكر ( بهم ) أي بالعلماء دون غيرهم قال ابن مفلح في آدابه : وما اختص علمه بالعلماء اختص إنكاره بهم وبمن يأمرونه به من الولاة والعوام وهو المراد بقول الناظم رحمه الله ( و ) يختص إنكاره أيضا ( بمن ) أي بالذي ( يستنصرون ) أي يطلبون النصر ( به ) أي بذلك المستنصر به على إزالة المنكر بفتح الصاد المهملة ، يقال نصره ينصره نصرا إذا أعانه على عدوه ، ونصره منه نجاه وخلصه ، والنصير الناصر .

وقوله ( قد ) هي اسم مرادف لحسب تستعمل مبنية غالبا على السكون وتستعمل معربة ( قد زيد درهم ) بالرفع ، وفي كلام الناظم مبنية على السكون وحركت بالكسر للقافية أي يختص إنكاره بالعلماء أو بمن يأمرونه به من الولاة والعوام دون غيرهم .

قال في الآداب : ومن ولاه السلطان الحسبة تعين عليه فعل ذلك وله في ذلك ما ليس لغيره كسماع البينة . وذكر القاضي ليس له سماعها وإن دعا الإمام أعني السلطان العامة إلى شيء وأشكل عليهم لزمهم سؤال العلماء فإن أفتوا بوجوبه قاموا به ، وإن [ ص: 223 ] أخبروا بتحريمه امتنعوا منه ، وإن قالوا هو مختلف فيه وقال السلطان يجب لزمهم طاعته كما يجب طاعته في الحكم ، ذكره القاضي ، وقال الإمام ابن عقيل في معتقده : ومن لم يعلم أن الفعل الواقع من أخيه المسلم جائز في الشرع أم غير جائز فلا يحل له أن يأمر ولا ينهى ، وكذا ذكره القاضي ، وقد روي هذا عن سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه .

قال في رواية المروذي : لا ينبغي للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه ولا يشدد عليهم ، وروي عنه رضي الله عنه بخلاف ذلك .

قال في رواية الميموني في الرجل يمر بالقوم وهم يلعبون بالشطرنج : ينهاهم ويعظهم . وقال أبو داود : سمعت أحمد سئل عن رجل مر بقوم يلعبون بالشطرنج فنهاهم فلم ينتهوا فأخذ الشطرنج فرمى به ، فقال قد أحسن .

وقال في رواية أبي طالب فيمن يمر بالقوم يلعبون بالشطرنج : يقلبها عليهم إلا أن يغطوها ويستروها .

وصلى سيدنا الإمام أحمد رضي الله عنه يوما إلى جنب رجل لا يتم ركوعه ولا سجوده ، فقال : يا هذا ، أقم صلبك وأحسن صلاتك ، نقله إسحاق بن إبراهيم .

وذكر الشيخ رضوان الله عليه في كتابه إبطال التحليل : قولهم ومسائل الخلاف لا إنكار فيها ليس بصحيح فإن الإنكار إما أن يتوجه إلى القول بالحكم أو العمل .

أما الأول فإذا كان القول يخالف سنة أو إجماعا قديما وجب إنكاره وفاقا ، وإن لم يكن كذلك فإنه ينكر بمعنى بيان ضعفه عند من يقول المصيب واحد وهم عامة السلف والفقهاء .

وأما العمل إذا كان على خلاف سنة أو إجماع وجب إنكاره أيضا بحسب درجات الإنكار ، كما ينقض حكم الحاكم إذا خالف سنة ، وإن كان قد تبع بعض العلماء .

وأما إذا لم يكن في المسألة سنة ولا إجماع وللاجتهاد فيها مساغ فلا ينكر على من عمل بها مجتهدا أو مقلدا ، وإنما دخل هذا اللبس من جهة أن القائل يعتقد أن مسائل الخلاف هي مسائل الاجتهاد ، كما اعتقد ذلك طوائف من الناس ، قال والصواب الذي عليه الأئمة أن مسائل الاجتهاد ما لم يكن فيها دليل يجب العمل به وجوبا ظاهرا مثل حديث صحيح لا معارض له في جنسه فيسوغ [ ص: 224 ] إذا عدم ذلك فيها الاجتهاد لتعارض الأدلة المقاربة أو لخفاء الأدلة فيها ، وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف .

وقد تيقنا صحة أحد القولين فيها ، مثل كون الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد بوضع الحمل ، وأن الجماع المجرد عن إنزال يوجب الغسل ، وأن ربا الفضل والمتعة حرام .

وقال في مكان آخر رحمه الله ورضي عنه : يعيد من ترك الطمأنينة ومن لم يوقت المسح نص عليه بخلاف متأول لم يتوضأ من لحم الإبل فإنه على روايتين لتعارض الأدلة والآثار فيه ، فأفهمنا رضي الله عنه أنه إنما يتمشى عدم الإنكار في مسائل الاختلاف حيث لم يخالف نصا صريحا من كتاب وسنة صحيحة صريحة وإجماع قديم .

وأما متى خالفت ذلك ساغ الإنكار ، وأفهم كلامه أنه متى تعارض سنتان فلا يخلو ، فإما أن تقاربها في الصحة بحيث يسوغ العمل بها ، وتصلح أن تكون دليلا أو لا ، فإن كان فهي من مسائل الاجتهاد التي لا يسوغ الإنكار عليها وإلا ساغ الإنكار ، فلاعب الشطرنج ينكر عليه ، وتارك الطمأنينة ، لصحة السنة في الثانية وكثرتها في الأولى والله تعالى أعلم . .

التالي السابق


الخدمات العلمية