الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية السادسة :

                                                                                                                                                                                                              قوله : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون }

                                                                                                                                                                                                              فيها خمس مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قد قدمنا ذكر الفواحش في سورة النساء ، وأما ما ظهر منها وما بطن وهي المسألة الثانية . [ ص: 313 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : فإن كل فاحشة ظاهرة للأعين ، أو ظاهرة بالأدلة ، كما ورد النص فيه أو وقع الإجماع عليه ، أو قام الدليل الجلي به ، فينطلق عليها اسم الظاهرة . والباطنة كل ما خفي عن الأعين ، ويقصد به الاستتار عن الخلق ; أو خفي بالدليل ; كتحريم نكاح المتعة والنبيذ على أحد القولين ونحو ذلك في الصنفين ;

                                                                                                                                                                                                              فإن النبيذ وإن كان مختلفا فيه فإن تحريمه جلي في الدليل ، قوي في التأويل . وفي الحديث الصحيح : { لا أحد أغير من الله } . ولذلك حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله تعالى : { الإثم } : وهو عبارة عن الذم الوارد في الفعل ، أو الوعيد المتناول له ; فكل مذموم شرعا أو فعل وارد على الوعيد فيه ، فإنه محرم وهو حد المحرم وحقيقته . وأما البغي ، وهو المسألة الرابعة .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة البغي : فهو تجاوز الحد .

                                                                                                                                                                                                              ووجه ذكرهما بعد دخولهما في جملة الفواحش للتأكيد لأمرهما بالاسم الخاص بعد دخولهما في الاسم العام قصد الزجر ، كما قال تعالى : { فيهما فاكهة ونخل ورمان } فذكر النخل والرمان بالاسم الخاص بعد دخولهما في الاسم العام على معنى الحث .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة :

                                                                                                                                                                                                              لما قال الله في سورة البقرة : { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس } قال قوم : إن الإثم اسم من أسماء الخمر ، وإن المراد بقوله : { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم } الخمر ، حتى قال الشاعر : [ ص: 314 ]

                                                                                                                                                                                                              شربت الإثم حتى زال عقلي كذاك الإثم يذهب بالعقول

                                                                                                                                                                                                              وهذا لا حجة فيه ; لأنه لو قال : شربت الذنب ، أو شربت الوزر ، لكان كذلك ، ولم يوجب قوله أن يكون الوزر والذنب اسما من أسماء الخمر ، كذلك هذا . والذي أوجب التكلم بمثل هذا الجهل باللغة وبطريق الأدلة في المعاني . والله الموفق .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية