الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة السابعة قوله : { وأحصوا العدة } : معناه احفظوها ; تقديره احفظوا الوقت الذي وقع فيه الطلاق ، حتى إذا انفصل المشروط منه وهو الثلاثة قروء في قوله : { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } حلت للأزواج .

                                                                                                                                                                                                              وهذا يدل على أن العدة هي بالأطهار وليست بالحيض . ويؤكده ويفسره قراءة النبي صلى الله عليه وسلم : لقبل عدتهن . وقبل الشيء بعضه لغة وحقيقة ، بخلاف استقباله فإنه يكون غيره .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثامنة من المخاطب بأمر الإحصاء ; وفيه ثلاثة أقوال : أحدها أنهم الأزواج .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنهم الزوجات .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : أنهم المسلمون .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح أن المخاطب بهذا اللفظ الأزواج ; لأن الضمائر كلها من { طلقتم } [ ص: 235 ] { وأحصوا } و { لا تخرجوهن } على نظام واحد يرجع إلى الأزواج ، ولكن الزوجات داخلة فيه بالإلحاق بالزوج ; لأن الزوج يحصي ليراجع ، وينفق أو يقطع ، وليسكن أو يخرج ، وليلحق نسبه أو يقطع . وهذه كلها أمور مشتركة بينه وبين المرأة ، وتنفرد المرأة دونه بغير ذلك . وكذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدة للفتوى عليها وفصل الخصومة عند المنازعة فيها ; وهذه فوائد الإحصاء المأمور به .

                                                                                                                                                                                                              المسألة التاسعة فيما لا يتم الإحصاء إلا به وهو معرفة أسباب العدة ، ومحلها ، وأنواعها : فأما أسبابها فأربعة : وهي الطلاق ، والفسخ ، والوفاة ، وانتقال الملك . [ والملك ] والوفاة مذكوران في القرآن ، والفسخ محمول على الطلاق ; لأنه في معناه ، أو هو هو . والاستبراء مذكور في السنة ، وليس بعدة ; لأنه حيضة واحدة ، وسميت مدة الاستبراء عدة لأنها مدة ذات عدد تعتبر بحل وتحريم .

                                                                                                                                                                                                              وأما محلها فهي الحرة والأمة .

                                                                                                                                                                                                              وأما أنواعها فهي أربعة : ثلاثة أقراء ، كما قال الله تعالى في سورة البقرة ، وثلاثة أشهر . ووضع الحمل ، كما جاء في هذه السورة . وسنة كما جاء في السنة ، فهذه جملتها ، وفيها تفاصيل عظيمة باختلاف الأسباب وتعارضها ، واختلاف أحوال النساء ، والتدخل الطارئ عليها ، والعوارض اللاحقة لها ، بيانها في مسائل الفقه . ومحصولها اللائق بهذا الفن الذي تصدينا له أربعة أقسام : القسم الأول : المعتادة .

                                                                                                                                                                                                              القسم الثاني متأخر حيضها لعذر .

                                                                                                                                                                                                              القسم الثالث : الصغيرة .

                                                                                                                                                                                                              القسم الرابع الآيسة .

                                                                                                                                                                                                              فأما المعتادة فعدتها ثلاثة قروء ; وتحل إذا طعنت في الحيضة الثالثة ; لأن الأطهار هي الأقراء ، وقد كملت ثلاثة .

                                                                                                                                                                                                              وأما من تأخر حيضها لمرض ; فقال مالك ، وابن القاسم ، وعبد الله ، وأصبغ : تعتد [ ص: 236 ] تسعة أشهر ، ثم ثلاثة . وقال أشهب : هي كالمرضع بعد الفطام بالحيض أو بالسنة ، وقد طلق حبان بن منقذ امرأته وهي ترضع فمكثت سنة لا تحيض لأجل الرضاع ، ثم مرض حبان ، فخاف أن ترثه إن مات فخاصمها إلى عثمان ، وعنده علي وزيد ، فقالا : نرى أن ترثه ; لأنها ليست من القواعد ، ولا من الصغار ; فمات حبان ، فورثته ، واعتدت عدة الوفاة .

                                                                                                                                                                                                              ولو تأخر الحيض لغير مرض ولا رضاع فإنها تنتظر سنة لا حيض فيها : تسعة أشهر ثم ثلاثة ; فتحل ما لم ترتب بحمل ، فإن ارتابت بحمل أقامت أربعة أعوام أو خمسة أوسبعة على اختلاف الروايات عن علمائنا . ومشهورها خمسة أعوام ; فإن تجاوزتها حلت .

                                                                                                                                                                                                              وقال أشهب : لا تحل أبدا حتى تنقطع عنها الريبة ; وهو الصحيح ; لأنه إذا جاز أن يبقى الولد في بطنها خمسة أعوام جاز أن يبقى عشرة وأكثر من ذلك . وقد روي عن مالك مثله .

                                                                                                                                                                                                              وأما التي جهل حيضها بالاستحاضة ففيها ثلاثة أقوال : الأول : قال ابن المسيب : تعتد سنة ; وهو مشهور قول علمائنا .

                                                                                                                                                                                                              وقال ابن القاسم : تعتد ثلاثة أشهر بعد تسعة .

                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي في أحد أقواله : عدتها ثلاثة أشهر ، وهو قول جماعة من التابعين والمتأخرين من القرويين ، وهو الصحيح عندي .

                                                                                                                                                                                                              وأما المرتابة فقاسها قوم عليها ، والصحيح أنها تبقى أبدا حتى تزول الريبة .

                                                                                                                                                                                                              وأما الصغيرة فعدتها ثلاثة أشهر كيفما كانت حرة ، أو أمة ; مسلمة ، أو كتابية في المشهور عندنا .

                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الماجشون : إن كانت أمة فعدتها شهر ونصف . وقال آخرون : شهران .

                                                                                                                                                                                                              والصحيح أن الحيضة الواحدة تدل على براءة الرحم ، والثانية تعبد ; فلذلك جعلت قرأين على النصف من الحرة على ما تقدم في سورة البقرة ، فانظره هنالك مجردا .

                                                                                                                                                                                                              وأما الأشهر فإنها دليل على براءة الرحم لأجل تقدير المدة التي يخلق الله فيها الولد ، وهذا تستوي فيه الحرة والأمة . ويعارضه أن عدة الوفاة عندهم شهران ، وخمس ليال ، وأجل الإيلاء شهران ، وأجل العنة نصف عام . والأحكام متعارضة . [ ص: 237 ]

                                                                                                                                                                                                              وأما الآيسة فهي مثلها ، وإذا أشكل حال اليائسة كالصغيرة لقرب السنين وغيرهما من الجهتين فإن عدتها ثلاثة أشهر ، ولا يعتبر بالدم إلا أن ترتاب مع الأشهر فتذهب بنفسها إلى زوال الريبة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية