الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الموفية عشرين : قال لنا فخر الإسلام بمدينة السلام في الدرس : لما قال الله تعالى : { يأيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم } كان معناه ضرورة اللغة : فاغسلوا وجوهكم لأجل الصلاة ; وذكر أمثلة بيناها في مسائل الخلاف ; فاقتضى الأمر بظاهره غسل الوجه للصلاة ، فمن غسله لغير ذلك لم يكن ممتثلا للأمر . وقد قال بعض المتأخرين من أصحاب الشافعي ، هاهنا كلاما مختلا وهي :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الحادية والعشرون : ونصه : " ظن ظانون من أصحاب الشافعي الذين يوجبون النية في الوضوء أنه لما أوجب الوضوء عند القيام إلى الصلاة دل على أنه أوجبه لأجله ، وأنه أوجب به النية ; وهذا لا يصح ; فإن إيجاب الله سبحانه الوضوء لأجل الحدث لا يدل على أنه يجب [ ص: 55 ] عليه أن ينوي ذلك ، بل يجوز أن يجب لأجله ويحصل دون قصد تعليق الطهارة بالصلاة وبنيتها لأجله " إلى تخليط زيد عليه لا أرضى ذكره . قلنا : قوله : " ظن ظان أن الوضوء لما وجد عند القيام إلى الصلاة أنه وجب لأجله " . لم يظن أحد ذلك ، إنما قطع الاعتقاد به ، لقيام الدليل عليه . وقوله : " إنه أوجب له النية " .

                                                                                                                                                                                                              قلنا له : هذا تلبيس ، وجوبه لأجله هو الذي يقتضي النية ضرورة فيه ، فإنه يلزمه أن يأتي بما أمر لمأمور به له . وقوله : " هذا لا يصح " . قلنا : لا يصح إلا هو . قوله : " فإن إيجاب الله الوضوء لأجل الحدث " . قلنا : هذا هوس ، لم يجب الوضوء لأجل الحدث . وقوله : " إنه لا يجب عليه أن ينوي ذلك " . قلنا : لا يجب عليه أن ينوي ماذا ؟ إن أردت الحدث ، فمن ذا الذي يقول به ؟ وإن أردت الصلاة فلا يعطي اللفظ والمعنى إلا وجوب النية لها . وقوله : " يجوز أن يجب لأجله ويحصل دون قصد " . قلنا : هذا لا نسلمه مطلقا إن أردت في العبادات فلا ، وإن أردت في غيرها فلا نبالي به . وقوله : " دون قصد " . إلى هنا انتهى كلامه المعقول لفظا المختل معنى . وأما قوله بعد ذلك تعليق الطهارة بالصلاة فكلام لا يعقل معناه لفظا ، فكيف معنى ؟ [ ص: 56 ]

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية والعشرون : هذا الذي زمزم به أنا أعرفه . قوله : { إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا } لا يخلو من ستة أقسام :

                                                                                                                                                                                                              الأول : أنه لا يربط غسل الوجه وما بعده بشيء مما تقدم .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنه يربطه بالقيام إلى الصلاة أو الحدث وبالصلاة ، وهو : الثالث ، أو بالصلاة وهو : الرابع ، أو بالكل وهو : الخامس ، أو ببعضه وهو : السادس .

                                                                                                                                                                                                              فإن قيل : لم نربطه بشيء كان محالا لغة كما تقدم ، محالا بالإجماع ، فإنه قد ربط بما ربط على الاختلاف فيه ، وإن ربطه بالقيام إلى الصلاة فمحال ضرورة ; لأنه لا يمكن الجمع بينهما ، ومحال معنى ; لأن نفس القيام لا يقصد بذلك من الوضوء ، وقد بينا أن معناه إذا أردتم القيام ، ونفس الإرادة هي النية .

                                                                                                                                                                                                              وأما إن أردت ربطه بالحديث فبالإجماع أن الوضوء يجب به ، لا من أجله . وإن قلتم بالصلاة فكذلك هو . وقد صرح النبي صلى الله عليه وسلم بذلك في قوله : { لا يقبل الله صلاة بغير طهور } . وإذا أمر بغسل الصلاة فلم يكن كذلك لم يمتثل ما أمر به ، وإن قال : إنه وجب لأجل الكل فقد تبين فساده ; وهذا تحقيق من كلامه في غرضه بعينه .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية