الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب استحباب إحسان الكفن من غير مغالاة

                                                                                                                                            1389 - ( عن أبي قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا ولي أحدكم أخاه فليحسن كفنه } رواه ابن ماجه والترمذي )

                                                                                                                                            1390 - ( وعن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب يوما فذكر رجلا من أصحابه قبض فكفن [ ص: 44 ] في كفن غير طائل ، وقبر ليلا ، فزجر النبي صلى الله عليه وسلم أن يقبر الرجل ليلا حتى يصلى عليه ، إلا أن يضطر إنسان إلى ذلك ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : إذا كفن أحدكم أخاه فليحسن كفنه } رواه أحمد ومسلم وأبو داود ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي قتادة حسنه الترمذي ورجال إسناده ثقات وفي الباب عن أم سلمة عند الديلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : أحسنوا الكفن ، ولا تؤذوا موتاكم بعويل ولا بتزكية ولا بتأخير وصية ولا بقطيعة ، وعجلوا بقضاء دينه ، واعدلوا عن جيران السوء وإذا حفرتم فأعمقوا ووسعوا } وعن جابر غير حديث الباب عند الديلمي أيضا قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { : أحسنوا كفن موتاكم فإنهم يتباهون ويتزاورون بها في قبورهم } .

                                                                                                                                            قوله : ( فليحسن كفنه ) ضبط بفتح الحاء وإسكانها قال النووي : وكلاهما صحيح ، والمراد بإحسان الكفن : نظافته ونقاؤه وكثافته وستره وتوسطه ، وكونه من جنس لباسه في الحياة لا أفخر منه ولا أحقر قال العلماء : وليس المراد بإحسانه السرف فيه والمغالاة ونفاسته ، وإنما المراد ما تقدم . قوله : ( غير طائل ) أي حقير غير كامل . قوله : ( حتى يصلى عليه ) هو بفتح اللام كما قال النووي ، وإنما نهى عن القبر ليلا حتى يصلى عليه ; لأن الدفن نهارا يحضره كثيرون من الناس ويصلون عليه ، ولا يحضره في الليل إلا أفراد وقيل ; لأنهم كانوا يفعلون ذلك بالليل لرداءة الكفن فلا يبين في الليل ويؤيده أول الحديث وآخره قال القاضي : العلتان صحيحتان قال : والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم قصدهما معا قال : وقد قيل غير هذا . قوله : ( إلا أن يضطر الإنسان إلى ذلك ) يدل على أنه لا بأس به في وقت الضرورة .

                                                                                                                                            وقد اختلف العلماء في الدفن بالليل ، فكرهه الحسن البصري إلا لضرورة وقال جماعة العلماء من السلف والخلف : لا يكره ، واستدلوا بأن أبا بكر الصديق وجماعة من السلف دفنوا ليلا من غير إنكار وبحديث { المرأة السوداء أو الرجل الذي كان يقم المسجد ، فتوفي بالليل فدفنوه ليلا ، وسألهم النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقالوا : توفي فدفناه في الليل ، فقال : ألا آذنتموني ؟ قالوا : كانت ظلمة ولم ينكر عليهم } أخرجه البخاري وسيأتي في باب الدفن ليلا وأجابوا عن حديث الباب بأن النهي كان لترك الصلاة لا لمجرد الدفن بالليل أو عن إساءة الكفن أو عن المجموع ، وتأتي بقية الكلام إن شاء الله في باب الدفن ليلا

                                                                                                                                            1391 - ( وعن عائشة أن أبا بكر نظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران ، فقال : اغسلوا ثوبي هذا ، وزيدوا عليه ثوبين فكفنوني فيها ، قلت : إن هذا [ ص: 45 ] خلق ؟ قال : إن الحي أحق بالجديد من الميت إنما هو للمهلة مختصر من البخاري ) قوله : ( به ردع ) بسكون المهملة بعدها عين مهملة : أي لطخ لم يعمه كله .

                                                                                                                                            قوله : ( وزيدوا عليه ثوبين ) في رواية " جديدين " . قوله : ( فكفنوني فيها ) رواية أبي ذر فيهما " وفسر الحافظ ضمير المثنى بالمزيد والمزيد عليه وفي رواية غير أبي ذر " فيها " كما وقع عند المصنف . قوله : ( خلق ) بفتح المعجمة واللام : أي غير جديد وفي رواية عن ابن سعد " ألا تجعلها جددا كلها ؟ قال : لا " وظاهره أن أبا بكر كان يرى عدم المغالاة في الأكفان ويؤيده قوله " إنما هو للمهلة " .

                                                                                                                                            وروى أبو داود من حديث علي عليه السلام مرفوعا { لا تغالوا في الكفن فإنه يسلب سريعا } ولا يعارضه حديث جابر في الأمر بتحسين الكفن كما تقدم فإنه يجمع بينهما بحمل التحسين على الصفة وحمل المغالاة على الثمن وقيل : التحسين حق للميت ، فإذا أوصى بتركه اتبع كما فعل الصديق ، ويحتمل أن يكون اختار ذلك الثوب بعينه لمعنى فيه من التبرك لكونه صار إليه من النبي صلى الله عليه وسلم أو لكونه قد كان جاهد فيه أو تعبد فيه ويؤيده ما رواه ابن سعد من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : قال أبو بكر : " كفنوني في ثوبي اللذين كنت أصلي فيهما .

                                                                                                                                            قوله : ( إنما هو أي : الكفن للمهلة ) قال القاضي عياض : روي بضم الميم وفتحها وكسرها ، وبذلك جزم الخليل وقال ابن حبيب : هو بالكسر : الصديد ، وبالفتح : التمهل وبالضم : عكر الزيت ، والمراد هنا الصديد ويحتمل أن يكون المراد بقوله : " وإنما هو أي الجديد ، وأن يكون المراد المهلة على هذا التمهل : أي الجديد لمن يريد البقاء قال الحافظ : والأول أظهر وفي هذا الأثر استحباب التكفين في ثلاثة أكفان ، وجواز التكفين في الثياب المغسولة وإيثار الحي بالجديد .

                                                                                                                                            ويدل على استحباب أن يكون الكفن جديدا ما أخرجه أبو داود وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد أنه لما حضره الموت دعا بثياب جدد فلبسها ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إن الميت يبعث في ثيابه التي مات فيها } ورواه ابن حبان بدون القصة ، وقال : أراد بذلك أعماله لقوله تعالى { وثيابك فطهر } يريد وعملك فأصلحه . قال : والأخبار الصحيحة صريحة أن الناس يحشرون حفاة عراة وحكى الخطابي في الجمع بينهما أنه يبعث في ثيابه ثم يحشر عريانا .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية