الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 71 ] باب عدد تكبير صلاة الجنائز قد ثبت الأربع في رواية أبي هريرة وابن عباس وجابر .

                                                                                                                                            1423 - ( عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال { : كان زيد بن أرقم يكبر على جنائزنا أربعا ، وإنه كبر خمسا على جنازة فسألته فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها . } رواه الجماعة إلا البخاري ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر تقدم في الصلاة على الغائب ، وممن روى الأربع كما قال البيهقي عقبة بن عامر والبراء وزيد بن ثابت وابن مسعود .

                                                                                                                                            وروى ابن عبد البر في الاستذكار من طريق أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة عن أبيه { كان النبي صلى الله عليه وسلم يكبر على الجنائز أربعا وخمسا وسبعا وثمانية حتى جاء موت النجاشي فخرج فكبر أربعا ، ثم ثبت النبي صلى الله عليه وسلم على أربع حتى توفاه الله تعالى }

                                                                                                                                            وكذا قال القاضي عياض . أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر مرفوعا { صلوا على موتاكم بالليل والنهار والصغير والكبير والدنيء والأمير أربعا } وفي إسناده عمرو بن هشام البيروتي ، تفرد به عن ابن لهيعة ، وإلى مشروعية الأربع التكبيرات في الجنازة ذهب الجمهور قال الترمذي : العمل عليه عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم يرون التكبير على الجنازة أربع تكبيرات ، وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق انتهى . وقال ابن المنذر : ذهب أكثر أهل العلم إلى أن التكبير أربع انتهى

                                                                                                                                            وقد اختلف السلف في ذلك ; فروي عن زيد بن أرقم أنه كان يكبر خمسا كما في حديث الباب . وروى ابن المنذر عن ابن مسعود أنه صلى على جنازة رجل من بني أسد فكبر خمسا ، وروي أيضا عن ابن مسعود عن علي أنه كان يكبر على أهل بدر ستا وعلى الصحابة خمسا وعلى سائر الناس أربعا . وروى ذلك أيضا ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني عن عبد خير عنه وروى ابن المنذر أيضا بإسناد صحيح عن ابن عباس " أنه كبر على جنازة ثلاثة " قال القاضي عياض : اختلف الصحابة في ذلك من ثلاث تكبيرات إلى تسع . قال ابن عبد البر : وانعقد الإجماع بعد ذلك على أربع ، وأجمع الفقهاء وأهل الفتوى بالأمصار على أربع على ما جاء في الأحاديث الصحاح ، وما سوى ذلك عندهم شذوذ لا يلتفت عليه ، وقال : لا نعلم أحدا من فقهاء الأمصار يخمس إلا ابن أبي ليلى

                                                                                                                                            وقال علي بن الجعد [ ص: 72 ] حدثنا شعبة عن عمر بن مرة سمعت سعيد بن المسيب يقول : إن عمر قال : كل ذلك قد كان أربعا وخمسا فاجتمعنا على أربع ، رواه البيهقي . ورواه ابن عبد البر من وجه آخر عن شعبة . وروى البيهقي أيضا عن أبي وائل قال { : كانوا يكبرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعا وخمسا وستا وسبعا ، فجمع عمر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر كل رجل منهم بما رأى ، فجمعهم عمر على أربع تكبيرات } وروى أيضا من طريق إبراهيم النخعي أنه قال : " اجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أبي مسعود ، فاجتمعوا على أن التكبير على الجنازة أربع " وروى أيضا بسنده إلى الشعبي قال : صلى ابن عمر على زيد بن عمر وأمه أم كلثوم بنت علي فكبر أربعا " وخالفه ابن عباس والحسين بن علي وابن الحنفية قوله : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكبرها ) استدل به من قال : إن تكبير الجنازة خمس ، وقد حكاه في البحر عن العترة جميعا وأبي ذر وزيد بن أرقم وحذيفة وابن عباس ومحمد بن الحنفية وابن أبي ليلى ، وحكاه في المبسوط عن أبي يوسف

                                                                                                                                            وفي دعوى إجماع العترة نظر ; لأن صاحب الكافي حكى عن زيد بن علي القول بالأربع . واستدلوا أيضا بحديث حذيفة الآتي وبما تقدم عن جماعة من الصحابة قالوا : والخمس زيادة يتحتم قبولها لعدم منافاتها . وأورد عليهم أنه كان يلزمكم الأخذ بأكثر من خمس ; لأنها زيادة وقد وردت كما أخرجه البيهقي عن أبي وائل ، وقد تقدم . ورجح الجمهور ما ذهبوا إليه من مشروعية الأربع بمرجحات أربعة : الأول : أنها ثبتت من طريق جماعة من الصحابة أكثر عددا ممن روى منهم الخمس . الثاني : أنها في الصحيحين . الثالث : أنه أجمع على العمل بها الصحابة كما تقدم

                                                                                                                                            الرابع : أنها آخر ما وقع منه صلى الله عليه وسلم كما أخرج الحاكم من حديث ابن عباس بلفظ : { آخر ما كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجنائز أربع } وفي إسناده الفرات بن سلمان . وقال الحاكم بعد ذكر الحديث : ليس من شرط الكتاب . ورواه أيضا البيهقي بإسناد فيه النضر بن عبد الرحمن وهو ضعيف ، وقد تفرد به كما قال البيهقي . قال الحافظ وروي هذا اللفظ من وجوه أخر كلها ضعيفة وقال الأثرم : رواه محمد بن معاوية النيسابوري عن أبي المليح عن ميمون بن مهران عن ابن عباس . وقد سألت أحمد عنه فقال : محمد هذا راوي أحاديث موضوعة منها هذا واستعظمه . وقال : كان أبو المليح . أتقى لله وأصلح حديثا من أن يروي مثل هذا . وقال حرب عن أحمد : هذا الحديث إنما رواه محمد بن زياد الطحان وكان يضع الحديث . وقال ابن القيم : قال أحمد : هذا كذب ليس له أصل . ا هـ ورواه ابن الجوزي في الناسخ والمنسوخ من طريق ابن شاهين عن ابن عمر ، وفي إسناده زافر بن الحارث عن أبي العلاء عن ميمون بن مهران عنه قال ابن الجوزي : وخالفه غيره ولا يثبت فيه شيء . ورواه الحارث بن أبي أسامة [ ص: 73 ] عن جعفر بن حمزة عن فرات بن السائب عن ميمون بن مهران عن ابن عمر بنحوه . ويجاب عن الأول من هذه المرجحات والثاني منها بأنه إنما يرجح بهما عند التعارض ، ولا تعارض بين الأربع والخمس ; لأن الخمس مشتملة على زيادة غير معارضة . وعن الرابع بأنه لم يثبت ، ولو ثبت لكان غير رافع للنزاع ; لأن اقتصاره على الأربع لا ينفي مشروعية الخمس بعد ثبوتها عنه ، وغاية ما فيه جواز الأمرين ، نعم المرجح الثالث ، أعني إجماع الصحابة على الأربع هو الذي يعول عليه في مثل هذا المقام إن صح ، وإلا كان الأخذ بالزيادة الخارجة من مخرج صحيح هو الراجح

                                                                                                                                            وفي المسألة أقوال أخر : منها ما روي عن أحمد بن حنبل أنه لا ينقص عن أربع ولا يزاد على سبع . ومنها ما روي عن بكر بن عبد الله المزني أنه لا ينقص عن ثلاث ولا يزاد على سبع . ومنها ما روي عن ابن مسعود أنه قال " التكبير تسع وسبع وخمس وأربع وكبر ما كبر الإمام " روى ذلك جميعه ابن المنذر ومنها ما روي عن أنس أن تكبير الجنازة ثلاث كما روى عنه ابن المنذر أنه قيل له : إن فلانا كبر ثلاثا فقال : وهل التكبير إلا ثلاث ؟ وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كبر ثلاثا لم يزد عليها وروى عنه عبد الرزاق أنه كبر على جنازة ثلاثا ثم انصرف ناسيا ، فقالوا له : يا أبا حمزة إنك كبرت ثلاثا ، قال : فصفوا ، فصفوا فكبر الرابعة . وروى عنه البخاري تعليقا نحو ذلك . وجمع بين الروايات عنه الحافظ بأنه إما كان يرى الثلاث مجزئة والأربع أكمل منها ، وإما بأن من أطلق عنه الثلاث لم يذكر الأولى ; لأنها افتتاح الصلاة .

                                                                                                                                            1424 - ( وعن حذيفة { أنه صلى على جنازة فكبر خمسا ، ثم التفت فقال ما نسيت ولا وهمت ، ولكن كبرت كما كبر النبي صلى الله عليه وسلم ، صلى على جنازة فكبر خمسا } . رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            1425 - ( وعن علي أنه كبر على سهل بن حنيف ستا وقال : إنه شهد بدرا . رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            1426 - ( وعن الحكم بن عتيبة أنه قال : كانوا يكبرون على أهل بدر خمسا وستا وسبعا . رواه سعيد في سننه ) .

                                                                                                                                            حديث حذيفة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه ، وفي إسناده يحيى بن عبد الله الجابري وهو متكلم عليه والأثر المذكور عن علي هو في البخاري بلفظ : " أنه كبر [ ص: 74 ] على سهل بن حنيف " زاد البرقاني في مستخرجه " ستا " وكذا ذكره البخاري في تاريخه وسعيد بن منصور . ورواه ابن أبي خيثمة من وجه آخر عن يزيد بن أبي زياد عن عبد الله بن مغفل فقال خمسا . وروى البيهقي عنه أنه كبر على أبي قتادة سبعا ، وقال : إنه غلط ; لأن أبا قتادة عاش بعد ذلك . قال الحافظ : وهذه علة غير قادحة ; لأنه قد قيل : إن أبا قتادة مات في خلافة علي وهذا هو الراجح ا هـ وقول الحكم بن عتيبة أورده الحافظ في التخليص ولم يتكلم عليه ، وقد تقدم الخلاف في عدد التكبير وما هو الراجح .

                                                                                                                                            وفي فعل علي دليل على استحباب تخصيص من له فضيلة بإكثار التكبير عليه ، وكذلك في رواية الحكم بن عتيبة عن السلف ، وقد تقدم من فعله صلى الله عليه وسلم بصلاته على حمزة ما يدل على ذلك .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية