الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب صدقة المواشي

                                                                                                                                            1534 - ( عن أنس : { أن أبا بكر كتب لهم : إن هذه فرائض الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين التي أمر الله بها ورسوله ، فمن سئلها من المسلمين على وجهها فليعطها ، ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه فيما دون خمس وعشرين من الإبل ، [ ص: 150 ] والغنم في كل خمس ذود شاة ، فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض إلى خمس وثلاثين ، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون ذكر ; فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا بلغت ستا وأربعين ففيها حقة طروقة الفحل إلى ستين ، فإذا بلغت واحدة وستين ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ; فإذا بلغت ستا وسبعين ففيها بنتا لبون إلى تسعين فإذا بلغت واحدة وتسعين ففيها حقتان طروقتا الفحل إلى عشرين ومائة فإذا زادت على عشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة ; فإذا تباين أسنان الإبل في فرائض الصدقات ، فمن بلغت عنده صدقة الجذعة وليست عنده جذعة وعنده حقة فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ; ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده إلا جذعة فإنها تقبل منه ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ; ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده وعنده ابنة لبون فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ; ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده إلا حقة فإنها تقبل منه ، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين ; ومن بلغت عنده صدقة ابنة لبون وليست عنده ابنة لبون وعنده ابنة مخاض فإنها تقبل منه ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما ; ومن بلغت عنده صدقة ابنة مخاض وليس عنده إلا ابن لبون ذكر فإنه يقبل منه وليس معه شيء ; ومن لم يكن معه إلا أربع من الإبل فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي صدقة الغنم في سائمتها إذا كانت أربعين ففيها شاة إلى عشرين ومائة ، فإذا زادت ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت ففي كل مائة شاة ولا يؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار ولا تيس إلا أن يشاء المصدق ، ولا يجمع بين مفترق ، ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة وما كان من خليطين فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ; وإذا كان سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة واحدة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها وفي الرقة ربع العشر ، فإذا لم يكن المال إلا تسعين ومائة فليس فيها شيء إلا أن يشاء ربها } رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبخاري وقطعه في عشرة مواضع ورواه الدارقطني كذلك ، وله فيه في رواية { في صدقة الإبل : فإذا بلغت إحدى وعشرين ومائة ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة } قال الدارقطني : هذا إسناد صحيح ورواته كلهم ثقات )

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي والحاكم قال ابن حزم : هذا كتاب في نهاية [ ص: 151 ] الصحة عمل به الصديق بحضرة العلماء ولم يخالفه أحد وصححه ابن حبان أيضا وغيره قوله : ( أن أبا بكر كتب لهم ) في لفظ للبخاري { إن أبا بكر كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين : هذه فريضة الصدقة التي فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين ، والتي أمر الله بها رسوله } قوله : ( التي فرض رسول الله ) .

                                                                                                                                            معنى فرض هنا : أوجب أو شرع ، يعني بأمر الله تعالى وقيل : معناه قدر ; لأن إيجابها ثابت بالكتاب فيكون المعنى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بين ذلك قال في الفتح : وقد يرد الفرض بمعنى البيان كقوله تعالى : { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } ، وبمعنى الإنزال كقوله : { إن الذي فرض عليك القرآن } ، وبمعنى الحل كقوله : { ما كان على النبي من حرج فيما فرض الله له } ، وكل ذلك لا يخرج عن معنى التقدير ووقع استعمال الفرض بمعنى اللزوم حتى يكاد يغلب عليه وهو لا يخرج عن معنى التقدير وقد قال الراغب : كل شيء ورد في القرآن فرض على فلان فهو بمعنى الإلزام ، وكل شيء ورد فرض له فهو بمعنى لم يحرمه عليه وذكر أن معنى قوله تعالى: { إن الذي فرض عليك القرآن } ، أي أوجب عليك العمل به ، وهذا يؤيد قول الجمهور إن الفرض مرادف للوجوب وتفريق الحنفية بين الفرض والواجب باعتبار ما يثبتان به لا مشاحة فيه ، وإنما النزاع في حمل ما ورد من الأحاديث الصحيحة على ذلك ; لأن اللفظ السابق لا يحمل على الاصطلاح الحادث انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( ورسوله ) في نسخة : " رسوله " بدون واو وهو الصواب كما في البخاري وغيره قوله : ( ومن سئل فوق ذلك فلا يعطه ) أي من سئل زائدا على ذلك في سن أو عدد فله المنع ونقل الرافعي الاتفاق على ترجيحه وقيل معناه : فليمنع الساعي وليتول إخراجه بنفسه أو يدفعها إلى ساع آخر ، فإن الساعي الذي طلب الزيادة يكون بذلك متعديا شرطه ، وأن يكون أمينا قال الحافظ : لكن محل هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل انتهى .

                                                                                                                                            ولعله يشير بهذا إلى الجمع بين هذا الحديث وحديث : { أرضوا مصدقيكم } عند مسلم والنسائي من حديث جرير .

                                                                                                                                            وحديث { سيأتيكم ركب مبغضون فإذا أتوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبغون ، فإن عدلوا فلأنفسهم ، وإن ظلموا فعليها ، وأرضوهم فإن تمام زكاتكم رضاهم } أخرجه أبو داود من حديث جابر بن عتيك وفي لفظ للطبراني من حديث سعد بن أبي وقاص { ادفعوا إليهم ما صلوا الخمس } فتكون هذه الأحاديث محمولة على أن للعامل تأويلا في طلب الزائد على الواجب

                                                                                                                                            قوله : ( الغنم ) هو مبتدأ وما قبله خبره ، وهو يدل على أن إخراج الغنم فيما دون خمس وعشرين من الإبل متعين ، وإليه ذهب مالك وأحمد فلا يجزي عندهما إخراج بعير عن أربع وعشرين وقال الشافعي والجمهور : يجزي ; لأنه إذا أجزأ في خمس وعشرين فإجزاؤه فيما دونها بالأولى [ ص: 152 ] قال في الفتح : ولأن الأصل أن يجب في جنس المال ، وإنما عدل عنه رفقا بالمالك ، فإذا رجع باختياره إلى الأصل أجزأه ، فإن كانت قيمة البعير مثلا دون قيمة أربع شياه ففيه خلاف عند الشافعية وغيرهم والأقيس أنه لا يجزي انتهى .

                                                                                                                                            قوله : { في كل خمس ذود شاة } الذود بفتح الذال المعجمة وسكون الواو بعدها دال مهملة ، قال الأكثر : وهو من الثلاثة إلى العشرة ، لا واحد له من لفظه وقال أبو عبيدة : من الاثنين إلى العشرة قال : وهو مختص بالإناث وقال سيبويه : تقول : ثلاث ذود ; لأن الذود مؤنث وليس باسم كسر عليه مذكر وقال القرطبي : أصله ذاد يذود إذا دفع شيئا فهو مصدر ، وكأن من كان عنده دفع عن نفسه معرة الفقر وشدة الفاقة والحاجة وقال ابن قتيبة : إنه يقع على الواحد فقط ، وأنكر أن يراد بالذود الجمع قال : ولا يصح أن يقال خمس ذود ، كما لا يصح أن يقال خمس ثوب ، وغلطه بعض العلماء في ذلك . وقال أبو حاتم السجستاني : تركوا القياس في الجمع فقالوا : خمس ذود خمس من الإبل كما قالوا ثلثمائة على غير قياس قال القرطبي : وهذا صريح في أن الذود واحد في لفظه قال الحافظ : والأشهر ما قاله المتقدمون أنه لا يطلق على الواحد

                                                                                                                                            قوله : { فإذا بلغت خمسا وعشرين ففيها ابنة مخاض } بنت المخاض بفتح الميم بعدها خاء معجمة خفيفة وآخره ضاد معجمة : هي التي أتى عليها حول ودخلت في الثاني وحملت أمها ، والماخض : الحامل والمراد أنه قد دخل وقت حملها وإن لم تحمل ، وهذا يدل على أنه يجب في الخمس والعشرين إلى الخمس والثلاثين بنت مخاض ، وإليه ذهب الجمهور وأخرج ابن أبي شيبة وغيره عن علي عليه السلام { أن في الخمس والعشرين خمس شياه ، فإذا صارت ستا وعشرين كان فيها بنت مخاض } وقد روي عنه هذا مرفوعا وموقوفا قال الحافظ : وإسناد المرفوع ضعيف قوله : ( فابن لبون ذكر ) هو الذي دخل في السنة الثالثة ، وصارت أمه لبونا بوضع الحمل وقوله ذكر تأكيد لقوله ابن لبون .

                                                                                                                                            وفيه دليل على جواز العدول إلى ابن اللبون عند عدم بنت المخاض قوله : ( ابنة لبون ) زاد البخاري " أنثى " قوله : ( حقة ) الحقة بكسر المهملة وتشديد القاف ، والجمع حقاق بالكسر ، وطروقة الفحل بفتح أوله : أي مطروقة كحلوبة بمعنى محلوبة ، والمراد أنها بلغت أن يطرقها الفحل ، وفي التي أتت عليها ثلاث سنين ودخلت في الرابعة قوله : ( ففيها جذعة ) الجذعة بفتح الجيم والذال المعجمة وهي التي أتى عليها أربع سنين ودخلت في الخامسة . قوله : ( ففي كل أربعين بنت لبون ) المراد أنه يجب بعد مجاوزة المائة والعشرين بواحدة في كل أربعين بنت لبون ، فيكون الواجب في مائة وإحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ، وإلى هذا ذهب الجمهور ، ولا اعتبار بالمجاوزة بدون واحدة كنصف أو ثلث أو ربع خلافا للإصطخري فقال : يجب ثلاث بنات لبون [ ص: 153 ] بزيادة بعض واحدة ويرد عليه ما عند الدارقطني في آخر هذا الحديث وما في كتاب عمر الآتي بلفظ : " فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة " ومثله في كتاب عمرو بن حزم ، وإلى ما قاله الجمهور ذهب الناصر والهادي في الأحكام حكى ذلك عنهما المهدي في البحر ، وحكى في البحر أيضا عن علي وابن مسعود والنخعي وحماد والهادي وأبي طالب والمؤيد بالله وأبي العباس أن الفريضة تستأنف بعد المائة والعشرين ، فيجب في الخمس شاة ثم كذلك

                                                                                                                                            واحتج لهم بقوله صلى الله عليه وسلم : " وما زاد على ذلك استؤنفت الفريضة " وهذا إن صح كان محمولا على الاستئناف المذكور في الحديث : أعني إيجاب بنت اللبون في كل أربعين ، والحقة في كل خمسين جمعا بين الأحاديث لا يقال : إنه لا يرجح حديث الاستئناف بمعنى الرجوع إلى إيجاب شاة في كل خمس وعشرين على حسب التفصيل المتقدم بأنه متضمن للإيجاب ، يعني إيجاب شاة مثلا في الخمس الزائدة على مائة وعشرين ، وحديث الباب وما في معناه متضمن للإسقاط لأنا نقول هو وهم ناشئ من قوله : " وإذا زدت ففي كل أربعين " فظن أن معناه في كل أربعين من الزيادة فقط وليس كذلك ، بل معناه في كل أربعين من الزيادة والمزيد وحكي في الفتح عن أبي حنيفة مثل قول علي وابن مسعود ومن معهما وقيده في البحر بأنه يقول بذلك إلى مائة وخمس وأربعين ، ثم له فيما زاد روايتان كالمذهب الأول وكالمذهب الثاني . قوله : ( ويجعل معها شاتين . . . إلخ ) فيه دليل على أنه يجب على المصدق قبول ما هو أدون ، ويأخذ التفاوت من جنس غير جنس الواجب وكذا العكس وذهبت الهادوية إلى أن الواجب إنما هو زيادة فضل القيمة من المصدق أو رب المال ، ويرجع في ذلك إلى التقويم ، لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأنه لو كان كذلك لم ينظر إلى ما بين السنين في القيمة ، وكان العرض يزيد تارة وينقص أخرى لاختلاف ذلك في الأمكنة والأزمنة ، فلما قدر الشارع التفاوت بمقدار معين لا يزيد ولا ينقص كان ذلك هو الواجب في الأصل في مثل ذلك ، ولولا تقدير الشارع بذلك لتعينت بنت المخاض مثلا ، ولم يجز إن تبدل ابن لبون مع التفاوت وذهب أبو حنيفة إلى أنه يرجع إلى القيمة فقط عند التعذر وذهب زيد بن علي إلى أن الفضل بين كل ستين شاة أو عشرة دراهم

                                                                                                                                            قوله : ( إلا أن يشاء ربها ) أي إلا أن يتطوع متبرعا . قوله : ( فإذا زادت ففيها شاتان ) قد ورد ما يدل على تعيين أقل المراد من هذه الزيادة المطلقة ففي كتاب عمرو بن حزم : " فإذا كانت إحدى وعشرين حتى تبلغ مائتين ففيها شاتان " وقد تقدم خلاف الإصطخري في ذلك . قوله : ( ففي مائة شاة ) مقتضاه أنها لا تجب الشاة الرابعة حتى توفي أربعمائة شاة ، وهو مذهب الجمهور وعن بعض الكوفيين والحسن بن صالح ورواية عن أحمد : إذا زادت على الثلثمائة واحدة وجبت الأربع . قوله : ( هرمة ) بفتحة الهاء وكسر [ ص: 154 ] الراء : الكبيرة التي سقطت أسنانها

                                                                                                                                            قوله : ( ولا ذات عوار ) بفتح العين المهملة وضمها ، وقيل : بالفتح فقط : أي معيبة ، وقيل : بالفتح العيب ، وبالضم : العور . واختلف في مقدار ذلك ، فالأكثر على أنه ما ثبت به الرد في البيع ، وقيل : ما يمنع الإجزاء في الأضحية ، ويدخل في المعيب المريض والذكر بالنسبة إلى الأنثى والصغير بالنسبة إلى سن أكبر منه

                                                                                                                                            قوله : ( ولا تيس ) بتاء فوقية مفتوحة وياء تحتية ساكنة ثم سين مهملة : وهو فحل الغنم . قوله : ( إلا أن يشاء المصدق ) قال في الفتح : اختلف في ضبطه ، يعني المصدق ، فالأكثر على أنه بالتشديد ، والمراد المالك وهو اختيار أبي عبيد وتقدير الحديث : لا هرمة ولا ذات عيب أصلا ، ولا يأخذ التيس إلا برضا المالك لكونه محتاجا إليه ، ففي أخذه بغير اختياره إضرار به ، وعلى هذا فالاستثناء مختص بالثالث ومنهم من ضبطه بتخفيف الصاد وهو الساعي ، وكأنه يشير بذلك إلى التفويض إليه في اجتهاده لكونه يجري مجرى الوكيل فلا يتصرف بغير المصلحة فيتقيد بما تقتضيه القواعد ، وهذا قول الشافعي انتهى .

                                                                                                                                            قوله : ( ولا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة ) قال في الفتح : قال مالك في الموطأ : معنى هذا أن يكون النفر الثلاثة لكل واحد منهم أربعون شاة وجبت فيها الزكاة فيجمعونها حتى لا يجب عليهم كلهم فيها إلا شاة واحدة ، أو يكون للخليطين مائتا شاة وشاة فيكون عليهما فيها ثلاث شياه ، فيفرقونها حتى لا يكون على كل واحد منهما إلا شاة واحدة

                                                                                                                                            وقال الشافعي : هو خطاب لرب المال من جهة والساعي من جهة ، فأمر كل منهما أن لا يحدث شيئا من الجمع والتفريق خشية الصدقة ، فرب المال يخشى أن تكثر الصدقة فيجمع أو يفرق لتقل ، والساعي أن تقل الصدقة فيجمع أو يفرق لتكثر ، فمعنى قوله : " خشية الصدقة " أي خشية أن تكثر أو تقل ; فلما كان محتملا للأمرين لم يكن الحمل على أحدهما أولى من الآخر ، فحمل عليهما معا ، لكن الذي يظهر أن حمله على المالك أظهر واستدل به على أن من كان عنده دون النصاب من الفضة ودون النصاب من الذهب مثلا أنه لا يجب ضم بعضه إلى بعض حتى يصير نصابا كاملا فيجب عليه فيه الزكاة ، خلافا لمن قال بالضم كالمالكية والهادوية والحنفية

                                                                                                                                            واستدل به أحمد على أن من كان له ماشية ببلد لا تبلغ النصاب وله ببلد آخر ما يوفيه منها أنها لا تضم ، قال ابن المنذر وخالفه الجمهور : فقالوا تجمع على صاحب المال أمواله ولو كانت في بلدان شتى ويخرج منها الزكاة واستدل به أيضا على إبطال الحيلة والعمل على المقاصد المدلول عليها بالقرائن قوله : ( وما كان من خليط فإنهما يتراجعان بينهما بالسوية ) قال في الفتح : اختلف في المراد بالخليطين فعند أبي حنيفة إنهما الشريكان ، قال : ولا يجب على أحد منهما فيما لا يملك إلا مثل الذي كان يجب عليهما [ ص: 155 ] لو لم يكن خلط

                                                                                                                                            وتعقبه ابن جرير بأنه لو كان تفريقها مثل جمعها في الحكم لبطلت فائدة الحديث ، وإنما نهى عن أمر لو فعله كان فيه فائدة ، ولو كان كما قال لم يكن لتراجع الخليطين بينهم بالسوية معنى ومثل تفسير أبي حنيفة روى البخاري عن سفيان ، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأصحاب الحديث إذا بلغت ماشيتهما النصاب زكيا ، والخلط عندهم أن يجتمع في المسرح والمبيت والحوض والفحل ، والشركة أخص منهما ومثل ذلك روى سفيان في جامعه عن عمر ، والمصير إلى هذا التفسير متعين ومما يدل على أن الخليط لا يستلزم أن يكون شريكا قوله تعالى: { وإن كثيرا من الخلطاء } ، وقد بينه قبل ذلك بقوله : { إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة } ، واعتذر بعضهم عن الحنفية بأن الحديث لم يبلغهم أو أرادوا أن الأصل { ليس فيما دون خمس ذود صدقة } وحكم الخليط يخالفه يرده بأن ذلك مع الانفراد وعدم الخلطة ، لا إذا انضم ما دون الخمس إلى عدد الخليط يكون به الجميع نصابا فإنه يجب تزكية الجميع لهذا الحديث وما ورد معناه ، ولا بد من الجمع بهذا

                                                                                                                                            ومعنى التراجع قال الخطابي أن يكون بينهما أربعون شاة مثلا لكل واحد منهما عشرون قد عرف منهما عين ماله ، فيأخذ المصدق شاة فيرجع المأخوذ من ماله على خليطه بقيمة نصف شاة وهي تسمى خلط الجوار . قوله : ( وإذا كانت سائمة الرجل ناقصة من أربعين شاة شاة ) لفظ الشاة الأول منصوب على أنه مميز عدد أربعين ، ولفظ الشاة الثاني منصوب أيضا على أنه مميز نسبة ناقصة إلى السائمة قوله : ( وفي الرقة ) بكسر الراء وتخفيف القاف : هي الفضة الخالصة سواء كانت مضروبة أو غير مضروبة قال الحافظ : قيل : أصلها الورق فحذفت الواو وعوضت الهاء ، وقيل : تطلق على الذهب والفضة بخلاف الورق ، وعلى هذا قيل : إن الأصل في زكاة النقدين نصاب الفضة ، فإذا بلغ الذهب ما قيمته مائتا درهم فضة خالصة وجبت فيه الزكاة وهي ربع العشر .

                                                                                                                                            وهذا قول الزهري ، وخالفه الجمهور وسيأتي البحث عن ذلك في باب زكاة الذهب والفضة

                                                                                                                                            1535 - ( وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كتب الصدقة ولم يخرجها إلى عماله حتى توفي ، قال : فأخرجها أبو بكر من بعده فعمل بها حتى توفي ; ثم أخرجها عمر من بعده فعمل بها ، قال : فلقد هلك عمر يوم هلك وإن ذلك لمقرون بوصيته ، قال : فكان فيها في الإبل في خمس حتى تنتهي إلى أربع وعشرين ; فإذا بلغت إلى خمس وعشرين ففيها بنت مخاض إلى خمس وثلاثين ; فإن [ ص: 156 ] لم تكن بنت مخاض فابن لبون فإذا زادت على خمس وثلاثين ففيها بنت لبون إلى خمس وأربعين ، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين ; فإذا زادت ففيها جذعة إلى خمس وسبعين ; فإذا زادت ففيها ابنتا لبون إلى تسعين ; فإذا زادت ففيها حقتان إلى عشرين ومائة ; فإذا كثرت الإبل ففي كل خمسين حقة وفي كل أربعين ابنة لبون وفي الغنم من أربعين شاة شاة إلى عشرين ومائة . فإذا زادت شاة ففيها شاتان إلى مائتين ، فإذا زادت ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ، فإذا زادت بعد فليس فيها شيء حتى تبلغ أربعمائة ، فإذا كثرت الغنم ففي كل مائة شاة ، وكذلك لا يفرق بين مجتمع ، ولا يجمع بين مفترق مخافة الصدقة ، وما كان من خليطين فهما يتراجعان بالسوية لا تؤخذ هرمة ولا ذات عيب من الغنم } رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال : حديث حسن . وفي هذا الخبر من رواية الزهري عن سالم مرسلا : { فإذا كانت إحدى وعشرين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون حتى تبلغ تسعا وعشرين ومائة ، فإذا كانت ثلاثين ومائة ففيها بنتا لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وثلاثين ومائة . فإذا كانت أربعين ومائة ففيها حقتان وبنت لبون حتى تبلغ تسعا وأربعين ومائة ، فإذا بلغت خمسين ومائة ففيها ثلاث حقاق حتى تبلغ تسعا وخمسين ومائة فإذا كانت ستين ومائة ففيها أربع بنات لبون حتى تبلغ تسعا وستين ومائة ، فإذا كانت سبعين ومائة ففيها ثلاث بنات لبون وحقة حتى تبلغ تسعا وسبعين ومائة ، فإذا بلغت ثمانين ومائة ففيها حقتان وابنتا لبون حتى تبلغ تسعا وثمانين ومائة ، فإذا كانت تسعين ومائة ففيها ثلاث حقاق وابنة لبون حتى تبلغ تسعا وتسعين ومائة ، فإذا كانت مائتين ففيها أربع حقاق أو خمس بنات لبون أي السنين وجدت أخذت } رواه أبو داود )

                                                                                                                                            الحديث أخرج المرفوع منه أيضا الدارقطني والحاكم والبيهقي ، ويقال : تفرد بوصله سفيان بن حسين وهو ضعيف في الزهري خاصة ، والحفاظ من أصحاب الزهري لا يصلونه رواه أبو داود والدارقطني والحاكم عن أبي كريب عن ابن المبارك عن يونس عن الزهري قال : هذه نسخة كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كتب في الصدقة وعند آل عمر قال ابن شهاب : أقرأنيها سالم بن عبد الله بن عمر فوعيتها على وجهها وهي التي انتسخ عمر بن عبد العزيز من عبد الله وسالم ابني عبد الله بن عمر فذكر الحديث .

                                                                                                                                            وقال البيهقي : تابع سفيان بن حسين على وصله سليمان بن كثير وأخرجه أيضا ابن عدي من طريقه ، ولكنه كما قال الحافظ : لين في الزهري وقد اتفق الشيخان على إخراج حديث سليمان بن كثير والاحتجاج به وأخرج مسلم حديث سفيان بن حسين واستشهد به [ ص: 157 ] البخاري قال الترمذي في كتاب العلل : سألت البخاري عن هذا الحديث فقال : أرجو أن يكون محفوظا وسفيان بن حسين صدوق انتهى .

                                                                                                                                            وضعف ابن معين هذا الحديث وقال : تفرد به سفيان بن حسين ، ولم يتابع سفيان أحد عليه ، وسفيان ثقة دخل مع يزيد بن المهلب خراسان وأخذوا عنه .

                                                                                                                                            وفي رواية للدارقطني في هذا الحديث " إن في خمس وعشرين خمس شياه " وضعفها ; لأنها من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري وهو ضعيف واعلم أن المرفوع من هذا الحديث هو من بعض حديث أنس السابق

                                                                                                                                            وقد تقدم شرحه . قوله : ( ففيها بنتا لبون وحقة ) الحقة عن الخمسين وبنتا اللبون عن ثمانين ، وكذلك إذا بلغت مائة وأربعين ففيها حقتان عن مائة وبنت لبون عن أربعين وإذا بلغت مائة وخمسين ففيها ثلاث حقاق عن خمسين حقة ، وإذا بلغت مائة وستين ففيها أربع بنات لبون عن أربعين واحدة ; وإذا بلغت مائة وسبعين ففيها ثلاث بنات لبون عن مائة وعشرين ، وحقة عن خمسين ; وإذا بلغت مائة وثمانين ففيها حقتان عن مائة وابنتا لبون عن ثمانين .

                                                                                                                                            وإذا بلغت مائة وتسعين ففيها ثلاث حقاق عن مائة وخمسين وبنت لبون عن أربعين ، وإذا بلغت مائتين ففيها أربع حقاق عن كل خمسين حقة أو خمس بنات لبون عن كل أربعين واحدة " وهذا لا يخالف ما تقدم في حديث أنس لأن قوله فيه : " ففي كل أربعين بنت لبون ، وفي كل خمسين حقة " معناه مثل هذا لا فرق بينه وبينه إلا أنه مجمل وهذا مفصل ، وزاد أبو داود في هذا الحديث بعد قوله : " ولا ذات عيب " فقال : وقال الزهري : إذا جاء المصدق قسمت الشياه أثلاثا : ثلثا شرارا ، وثلثا خيارا ، وثلثا وسطا ، فيأخذ من الوسط .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية