الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            باب آداب الإفطار والسحور

                                                                                                                                            1668 - ( عن ابن عمر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا أقبل الليل وأدبر النهار وغابت الشمس فقد أفطر الصائم } ) .

                                                                                                                                            1669 - ( وعن سهل بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر } متفق عليهما ) .

                                                                                                                                            1670 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { يقول الله عز وجل : إن أحب عبادي إلي أعجلهم فطرا } رواه أحمد والترمذي ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أبي هريرة قال الترمذي : حديث حسن غريب .

                                                                                                                                            وفي الباب عن عائشة عند الترمذي وصححه إنها { سئلت عن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أحدهما يعجل الإفطار ويعجل الصلاة ، والآخر يؤخر الإفطار ويؤخر الصلاة ، فقالت : أيهما يعجل الإفطار [ ص: 260 ] ويعجل الصلاة ؟ فقيل لها : عبد الله بن مسعود ، قالت : هكذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم } والآخر أبو موسى .

                                                                                                                                            وعن أبي هريرة حديث آخر عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا يزال الدين ظاهرا ما عجل الناس الفطر ; لأن اليهود والنصارى يؤخرون } .

                                                                                                                                            وعن سهل بن سعد حديث آخر عند ابن حبان والحاكم بلفظ : { لا تزال أمتي على سنتي ما لم تنتظر بفطرها النجوم } . وعن أبي ذر عند أحمد وسيأتي . وعن ابن عباس وأنس أشار إليهما الترمذي . قال ابن عبد البر : أحاديث تعجيل الإفطار وتأخير السحور صحاح متواترة . وأخرج عبد الرزاق وغيره بإسناد قال الحافظ : صحيح عن عمرو بن ميمون الأودي قال : { كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أسرع الناس إفطارا وأبطأهم سحورا } قوله : ( إذا أقبل الليل ) زاد البخاري في رواية " من هاهنا ، وأشار بأصبعيه قبل المشرق " والمراد وجود الظلمة .

                                                                                                                                            قوله : ( وأدبر النهار ) زاد البخاري في رواية : " من هاهنا " يعني من جهة المغرب . قوله : ( وغابت الشمس ) في رواية للبخاري " وغربت الشمس " ذكر في هذا الحديث ثلاثة أمور وهي وإن كانت متلازمة في الأصل لكنها قد تكون في الظاهر غير متلازمة ، فقد يظن إقبال الليل من جهة المشرق ولا يكون قباله حقيقة بل لوجود أمر يغطي ضوء الشمس وكذلك إدبار النهار ، فمن ثم قيد بغروب الشمس قوله : ( فقد أفطر الصائم ) أي دخل في وقت الفطر كما يقال أنجد : إذا أقام بنجد ، وأتهم : إذا أقام بتهامة .

                                                                                                                                            ويحتمل أن يكون معناه فقد صار مفطرا في الحكم لكون الليل ليس ظرفا للصيام الشرعي . وقال ابن خزيمة : هو لفظ خبر ومعناه الأمر : أي فليفطر ، ويرجح الأول ما وقع في رواية عند البخاري : " فقد حل الإفطار " . قوله : ( ما عجلوا الفطر ) زاد أبو ذر في حديثه " وأخروا السحور " أخرجه أحمد وسيأتي . وما ظرفية : أي مدة فعلهم ذلك امتثالا للسنة ووقوفا عند حدها . قال المهلب : والحكمة في ذلك أن لا يزاد في النهار من الليل ولأنه أرفق بالصائم وأقوى له على العبادة ا هـ . وأيضا في تأخيره تشبه باليهود فإنهم يفطرون عند ظهور النجوم ، وقد كان الشارع يأمر بمخالفتهم في أفعالهم وأقوالهم ، واتفق العلماء على أن محل ذلك إذا تحقق غروب الشمس بالرؤية أو بإخبار عدلين أو عدل ، وقد صرح الحديث القدسي بأن معجل الإفطار أحب عباد الله إليه ، فلا يرغب عن الاتصاف بهذه الصفة إلا من كان حظه من الدين قليلا كما تفعله الرافضة ، ولا يجب تعجيل الإفطار لما تقدم في الباب الأول من إذن النبي صلى الله عليه وسلم بالمواصلة إلى السحر كما في حديث أبي سعيد .

                                                                                                                                            [ ص: 261 ] 1671 - ( وعن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم تكن رطبا فتمرات ، فإن لم تكن تمرا حسا حسوات من ماء } . رواه أحمد وأبو داود والترمذي ) .

                                                                                                                                            1672 - ( وعن سلمان بن عامر الضبي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا أفطر أحدكم فليفطر على تمر ، فإن لم يجد فليفطر على ماء فإنه طهور } رواه الخمسة إلا النسائي ) .

                                                                                                                                            1673 - ( وعن معاذ بن زهرة أنه بلغه { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أفطر قال : اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت } رواه أبو داود ) .

                                                                                                                                            حديث أنس حسنه الترمذي . وقال أبو بكر البزار : لا يعلم رواة عن ثابت عن أنس إلا جعفر بن سليمان ، وقال أيضا : رواه النشيطي فأنكروا عليه وضعف حديثه . وقال ابن عدي : تفرد به جعفر عن ثابت . والحديث مشهور بعبد الرزاق ، تابعه عمار بن هارون وسعيد بن سليمان النشيطي . قال الحافظ : وأخرج أبو يعلى عن إبراهيم بن الحجاج عن عبد الواحد بن ثابت عن أنس قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يفطر على ثلاث تمرات أو شيء لم تصبه النار } وعبد الواحد قال البخاري : منكر الحديث .

                                                                                                                                            وروى الطبراني في الأوسط من طريق يحيى بن أيوب عن حميد عن أنس : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما لم يصل حتى يأتيه برطب وماء فيأكل ويشرب ، وإذا لم يكن رطب لم يصل حتى يأتيه بتمر وماء } وقال : تفرد به مسكين بن عبد الرحمن عن يحيى بن أيوب وعنه زكريا بن عمر .

                                                                                                                                            وأخرج أيضا الترمذي والحاكم وصححه عن أنس مرفوعا : { من وجد التمر فليفطر عليه ، ومن لم يجد التمر فليفطر على الماء فإنه طهور } وحديث سليمان بن عامر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه ، وصححه أبو حاتم الرازي . وروى ابن عدي عن عمران بن حصين بمعناه ، وإسناده ضعيف . وحديث معاذ مرسل لأنه لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقد رواه الطبراني في الكبير والدارقطني من حديث ابن عباس بسند ضعيف . ورواه أبو داود والنسائي والدارقطني والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر ، وزاد : { ذهب [ ص: 262 ] الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله } قال الدارقطني : إسناده حسن . وعند الطبراني عن أنس قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أفطر قال : بسم الله اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت } وإسناده ضعيف لأنه فيه داود بن الزبرقان وهو متروك . ولابن ماجه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا : { إن للصائم دعوة لا ترد } وكان ابن عمر إذا أفطر يقول : اللهم إني أسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تغفر لي ذنوبي . وحديثا أنس وسليمان يدلان على مشروعية الإفطار بالتمر ، فإن عدم فبالماء ولكن حديث أنس فيه دليل على أن الرطب من التمر أولى من اليابس فيقدم عليه إن وجد ، وإنما شرع الإفطار بالتمر لأنه حلو ، وكل حلو يقوي البصر الذي يضعف بالصوم ، وهذا أحسن ما قيل في المناسبة وبيان وجه الحكمة . وقيل : لأن الحلو لا يوافق الإيمان ويرق القلب ، وإذا كانت العلة كونه حلوا ، والحلو له ذلك التأثير فيلحق به الحلويات كلها ، أما ما كان أشد منه حلاوة فبفحوى الخطاب ، وما كان مساويا له فبلحنه . وحديث معاذ بن زهرة فيه دليل على أنه يشرع للصائم أن يدعو عند إفطاره بما اشتمل عليه من الدعاء ، وكذلك سائر ما ذكرناه في الباب قوله : ( حسا حسوات ) أي شرب شربات ، والحسوة : المرة الواحدة

                                                                                                                                            1674 - ( وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول { لا تزال أمتي بخير ما أخروا السحور وعجلوا الفطر } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            1675 - ( وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تسحروا فإن في السحور بركة } رواه الجماعة إلا أبا داود ) .

                                                                                                                                            1676 - ( وعن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر } رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            حديث أبي ذر في إسناده سليمان بن أبي عثمان ، قال أبو حاتم : مجهول .

                                                                                                                                            وفي الباب عن أبي ليلى الأنصاري عند النسائي وأبي عوانة في صحيحه بنحو حديث أنس .

                                                                                                                                            وعن ابن مسعود عند النسائي والبزار بنحوه أيضا . وعن أبي هريرة عند النسائي بنحوه أيضا . وعن [ ص: 263 ] قرة بن إياس المزني عند البزار نحوه أيضا . وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم بلفظ : { استعينوا بطعام السحر على صيام النهار ، وبقيلولة النهار على قيام الليل } وله شاهد في علل ابن أبي حاتم عنه ، وتشهد له رواية لابن داسة في سنن أبي داود .

                                                                                                                                            وأخرجه ابن حبان بلفظ : { نعم سحور المؤمن من التمر } وعن ابن عمر عند ابن حبان بلفظ : { إن الله وملائكته يصلون على المتسحرين } وفي رواية له عنه : { تسحروا ولو بجرعة من ماء } وعن زيد بن ثابت عند الشيخين : { إنه كان بين تسحره صلى الله عليه وسلم ودخوله في الصلاة قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية } وعن أنس عند البخاري بنحوه . وعن أبي سعيد عند أحمد بلفظ : { السحور بركة فلا تدعوه ، ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ، فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين } ولسعيد بن منصور من طريق أخرى { تسحروا ولو بلقمة } قوله : ( ما أخروا السحور ) أي مدة تأخيرهم .

                                                                                                                                            وفيه دليل على مشروعية تأخير السحور . وقد تقدم قول ابن عبد البر أن أحاديث تأخير السحور صحاح متواترة قوله : ( فإن في السحور بركة ) بفتح السين وضمها . قال في الفتح : لأن المراد بالبركة الأجر والثواب فيناسب الضم لأنه مصدر ، أو البركة كونه يقوى على الصوم وينشط له ويخفف المشقة فيه فيناسب الفتح لأنه اسم لما يتسحر به .

                                                                                                                                            وفيه دليل على مشروعية التسحر ، وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ندبية السحور انتهى . وليس بواجب لما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه أنهم واصلوا ، ومن مقويات مشروعية السحور ما فيه من المخالفة لأهل الكتاب فإنهم لا يتسحرون كما صرح بذلك حديث عمرو بن العاص ، وأقل ما يحصل به التسحر ما يتناوله المؤمن من مأكول أو مشروب ولو جرعة من ماء كما تقدم في الأحاديث .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية