الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2160 - وعن أبي جحيفة { أنه اشترى حجاما فأمر فكسرت محاجمه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين } . متفق عليه

                                                                                                                                            2161 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحلوان الكاهن } . رواه الجماعة

                                                                                                                                            2162 - وعن ابن عباس قال { : نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب وقال : إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا . } رواه أحمد وأبو داود

                                                                                                                                            2163 - وعن جابر { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور } . رواه أحمد ومسلم وأبو داود .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات ; لأن أبا داود رواه عن طريق عبيد الله بن عمرو الرقي وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري ، وهو كذلك عن قيس بن حبتر بفتح الحاء المهملة وإسكان الموحدة وفتح الفوقية ، وهو من ثقات التابعين كما قال ابن حبان . وحديث جابر هو في مسلم بلفظ : { سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال : زجر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك } وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ { : أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الهر } وقال الترمذي : غريب . وقال النسائي : هذا حديث منكر ا هـ وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني . قال ابن حبان : يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الاحتجاج به . وقال الخطابي : قد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث ، وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال ابن عبد البر : حديث بيع السنور لا يثبت رفعه . وقال النووي : الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى . ولم يخرجه مسلم من طريق عمر بن [ ص: 171 ] زيد المذكور ، بل رواه من حديث معقل بن عبد الله الجزري عن أبي الزبير قال : سألت جابرا . وقد أخرج الحديث أيضا أبو داود والترمذي من طريق أخرى ليس فيها عمر بن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف ، ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي .

                                                                                                                                            قوله : ( حرم ثمن الدم ) اختلف في المراد به فقيل : أجرة الحجامة فيكون دليلا لمن قال : بأنها غير حلال ، وسيأتي الكلام على ذلك في باب : ما جاء في كسب الحجام من أبواب الإجارة . وقيل : المراد به ثمن الدم نفسه ، فيدل على تحريم بيعه ، وهو حرام إجماعا كما في الفتح .

                                                                                                                                            قوله : ( وثمن الكلب ) فيه دليل على تحريم بيع الكلب ، وظاهره عدم الفرق بين المعلم وغيره ، سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز ، وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة : يجوز وقال عطاء والنخعي : يجوز بيع كلب الصيد دون غيره . ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث ( جابر قال { : نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب صيد ) } . قال في الفتح : ورجال إسناده ثقات ، إلا أنه طعن في صحته . وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة ، لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف ، فينبغي حمل المطلق على المقيد ، ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد إن صلح هذا المقيد للاحتجاج به . وقد اختلفوا أيضا هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ، ومن قال : بجوازه قال بالوجوب ، ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة .

                                                                                                                                            وروي عن مالك أنه لا يجوز بيعه وتجب القيمة .

                                                                                                                                            وروي عنه أن بيعه مكروه فقط .

                                                                                                                                            قوله : وكسب البغي في الرواية الثانية ومهر البغي والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه . والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد التحتانية وأصل البغي : الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد . واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهر لها .

                                                                                                                                            وفي وجه للشافعية : يجب للسيد الحكم . قوله : ( ولعن الواشمة والمستوشمة ) سيأتي الكلام على هذا في باب : ما يكره من تزين النساء من كتاب الوليمة إن شاء الله . قوله : ( وآكل الربا وموكله ) يأتي إن شاء الله الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب الربا . قوله : ( ولعن المصورين ) فيه أن التصوير أشد المحرمات ; لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك ، وقد تقدم ما يحرم من التصوير وما لا يحرم في أبواب اللباس .

                                                                                                                                            قوله : ( وحلوان الكاهن ) الحلوان بضم الحاء المهملة مصدر حلوته : إذا أعطيته . قال في الفتح : وأصله من الحلاوة شبه بالشيء الحلو من حيث إنه يؤخذ سهلا بلا كلفة ولا مشقة . والحلوان أيضا : الرشوة . والحلوان أيضا : ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه . والكاهن ، قال الخطابي : هو الذي يدعي مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن . قال في الفتح : حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما [ ص: 172 ] فيه من أخذ العوض على أمر باطل ، وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاطاه العرافون من استطلاع الغيب . قوله فاملأ كفه ترابا كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب : لم يحصل في كفه غير التراب . وقيل : المراد التراب خاصة حملا للحديث على ظاهره ، وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه ، ومثله حمل من حمل حديث { احثوا التراب في وجوه المداحين } على معناه الحقيقي .

                                                                                                                                            قوله : ( والسنور ) بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو بعدها راء : وهو الهر وفيه دليل على تحريم بيع الهر ، وبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر بن زيد ، حكى ذلك عنه ابن المنذر ، وحكاه المنذري أيضا عن طاوس ، وذهب الجمهور إلى جواز بيعه . وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه ، وقد عرفت دفع ذلك . وقيل : إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه ، وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق والمروءات ، ولا يخفى أن هذا إخراج النهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية