الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            [ ص: 116 ] باب ما جاء في لبس الأبيض والأسود والأخضر والمزعفر والملونات

                                                                                                                                            565 - ( عن سمرة بن جندب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { البسوا ثياب البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم } . رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم ، واختلف في وصله وإرساله ، قال الحافظ في الفتح : وإسناده صحيح ، وصححه الحاكم .

                                                                                                                                            وفي الباب عن ابن عباس عند الشافعي وأحمد وأصحاب السنن إلا النسائي بلفظ : { البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم } وأخرجه ابن حبان والحاكم والبيهقي بمعناه .

                                                                                                                                            وفي لفظ للحاكم : { خير ثيابكم البياض فألبسوها أحياءكم وكفنوا بها موتاكم } وصحح حديث ابن عباس ابن القطان والترمذي وابن حبان .

                                                                                                                                            وفي الباب أيضا عن عمران بن الحصين عند الطبراني . وعن أنس عند أبي حاتم في العلل . وعند البزار في مسنده . وعن ابن عمر عند ابن عدي في الكامل . وعن أبي الدرداء يرفعه عند ابن ماجه بلفظ : { أحسن ما زرتم الله به في قبوركم ومساجدكم البياض }

                                                                                                                                            والحديث يدل على مشروعية لبس البياض وتكفين الموتى به كونه أطهر من غيره وأطيب ، أما كونه أطيب فظاهر ، وأما كونه أطهر فلأن أدنى شيء يقع عليه يظهر فيغسل إذا كان من جنس النجاسة فيكون نقيا كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في دعائه : { ونقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس } والأمر المذكور في الحديث ليس للوجوب ، أما في اللباس فلما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من لبس غيره وإلباس جماعة من الصحابة ثيابا غير بيض ، وتقريره لجماعة منهم على غير لبس البياض ، وأما في الكفن فلما ثبت عند أبي داود . قال الحافظ بإسناد حسن من حديث جابر مرفوعا : { إذا توفي أحدكم فوجد شيئا فليكفن في ثوب حبرة } .

                                                                                                                                            566 - ( وعن أنس قال : { كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يلبسها الحبرة } رواه الجماعة إلا ابن ماجه ) .

                                                                                                                                            قوله : ( الحبرة ) بكسر الحاء المهملة وفتح الباء الموحدة بعدها . قال الجوهري : الحبرة كعنبة : برد يمان يكون من كتان أو قطن ، سميت حبرة لأنها محبرة أي مزينة والتحبير : التزيين والتحسين والتخطيط ، ومنه حديث أبي ذر : { الحمد لله الذي أطعمنا الخمير ، [ ص: 117 ] وألبسنا الحبير } وإنما كانت الحبرة أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه ليس فيها كثير زينة ولأنها أكثر احتمالا للوسخ من غيرها .

                                                                                                                                            567 - ( وعن أبي رمثة قال : { رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران } . رواه الخمسة إلا ابن ماجه ) . الحديث حسنه الترمذي . وقال : لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن إياد انتهى . وعبيد الله وأبوه ثقتان ، وأبو رمثة بكسر الراء وسكون الميم بعدها ثاء مثلثة مفتوحة ، واسمه رفاعة بن يثربي كذا قال صاحب التقريب ، وقال الترمذي : اسمه حبيب بن وهب ، ويدل على استحباب لبس الأخضر لأنه لباس أهل الجنة وهو أيضا من أنفع الألوان للأبصار ومن أجملها في أعين الناظرين .

                                                                                                                                            568 - ( وعن عائشة قالت : { خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة وعليه مرط مرحل من شعر أسود } . رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه ) ،

                                                                                                                                            قوله : ( مرط ) بكسر الميم وسكون الراء المهملة كساء من صوف أو خز ، والجمع مروط كذا في القاموس . وقيل : كساء من خز أو كتان .

                                                                                                                                            قوله : ( مرحل ) بميم مضمومة وراء مهملة مفتوحة وحاء مهملة مشددة ولام كمعظم وهو برد فيه تصاوير . قال في القاموس : وتفسير الجوهري إياه بإزار خز فيه علم غير جيد ، إنما ذلك تفسير المرجل بالجيم انتهى . وتلك التصاوير هي صور ، تطلق على المنازل وعلى الرواحل وعلى ما يوضع على الرواحل يستوي عليه الراكب ، والترحيل مصدر رحل البرد أي وشاه ، قال النووي : والمراد تصاوير الإبل ولا بأس بهذه الصورة انتهى . وسيأتي الكلام على حكم ما فيه صورة في الباب الذي بعد هذا . والحديث يدل على أنه لا كراهة في لبس السواد . وقد أخرج أبو داود والنسائي من حديث عائشة قالت : { صبغت للنبي صلى الله عليه وسلم بردة سوداء فلبسها فلما عرق فيها وجد ريح الصوف فقذفها وقال أحسبه قال : وكان يعجبه الريح الطيبة } .

                                                                                                                                            569 - ( وعن أم خالد قالت : { أتي النبي صلى الله عليه وسلم بثياب فيها خميصة سوداء ، فقال : من ترون نكسو هذه الخميصة ؟ فأسكت القوم ، فقال : ائتوني بأم خالد فأتي [ ص: 118 ] بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فألبسنيها بيده ، وقال أبلي وأخلقي مرتين ، وجعل ينظر إلى علم الخميصة ، ويشير بيده إلي ، ويقول : يا أم خالد هذا سنا هذا سنا والسنا بلسان الحبشة : الحسن } . رواه البخاري ) .

                                                                                                                                            قوله : ( خميصة ) بفتح المعجمة وكسر الميم وبالصاد المهملة كساء مربع له علمان .

                                                                                                                                            قوله : ( نكسو هذه ) بالنون للمتكلم .

                                                                                                                                            قوله : ( فأسكت القوم ) بضم الهمزة على البناء للمجهول

                                                                                                                                            قوله : ( أبلي وأخلقي ) هذا من باب التفاؤل والدعاء للابس بأن يعمر ويلبس ذلك الثوب حتى يبلى ويصير خلقا ، وفيه أنه يستحب أن يقال لمن لبس ثوبا جديدا كذلك ، وأخرج ابن ماجه عن ابن عمر : { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصا أبيض فقال : البس جديدا وعش حميدا ومت شهيدا } .

                                                                                                                                            وأخرج أبو داود وسعيد بن منصور من حديث أبي نضرة قال : " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس أحدهم ثوبا جديدا قيل له تبلي ويخلف الله تعالى " سنده صحيح .

                                                                                                                                            قوله : ( هذا سنا ) بفتح السين المهملة وتشديد النون وفيه جواز التكلم باللغة العجمية ومعناه حسن . والحديث يدله على أنه يجوز للنساء لباس الثياب السود ولا أعلم في ذلك خلافا .

                                                                                                                                            570 - ( وعن ابن عمر { أنه كان يصبغ ثيابه ويدهن بالزعفران ، فقيل له لم تصبغ ثيابك وتدهن بالزعفران ؟ فقال : إني رأيته أحب الأصباغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يدهن به ويصبغ به ثيابه } رواه أحمد وكذلك أبو داود والنسائي بنحوه وفي لفظهما : ولقد كان يصبغ ثيابه كلها حتى عمامته ) . الحديث في إسناده اختلاف كما قال المنذري ، ولم يذكر أبو داود والنسائي الزعفران ، وأخرج البخاري ومسلم من حديث عبيد بن جريج عن ابن عمر أنه قال : { وأما الصفرة فإني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها فإني أحب أن أصبغ بها } قال المنذري : واختلف الناس في ذلك فقال بعضهم : أراد الخضاب للحية بالصفرة . وقال آخرون : أراد يصفر ثيابه ويلبس ثيابا صفرا انتهى . ويؤيد القول الثاني تلك الزيادة التي أخرجها أبو داود والنسائي .

                                                                                                                                            قوله ( حتى عمامته ) بالنصب . والحديث يدل على مشروعية صبغ الثياب بالصفرة ، وقد تقدم الكلام على ذلك في باب نهي الرجال عن المعصفر . وفيه أيضا مشروعية الادهان بالزعفران . ومشروعية صباغ اللحية بالصفرة لقوله صلى الله عليه وسلم في رواية النسائي وغيره : { إن اليهود والنصارى لا تصبغ فخالفوهم واصبغوا } قال ابن الجوزي : [ ص: 119 ] قد اختضب جماعة من الصحابة والتابعين بالصفرة . ورأى أحمد بن حنبل رجلا قد خضب لحيته فقال : إني لأرى الرجل يحيي ميتا من السنة وقد تقدم الكلام على الخضاب في باب تغيير الشيب بالحناء والكتم




                                                                                                                                            الخدمات العلمية