الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            625 - ( وعن أنس { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة ويصلي في مرابض الغنم ، وأنه أمر ببناء المسجد فأرسل إلى ملأ من بني النجار ، فقال : يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا : لا والله ما نطلب ثمنه إلا إلى الله ، فقال أنس : وكان فيه ما أقول لكم قبور المشركين وفيه خرب وفيه نخل فأمر النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 171 ] بقبور المشركين فنبشت ، ثم بالخرب فسويت ، ثم بالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد وجعلوا عضادتيه الحجارة وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول : اللهم لا خير إلا خير الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة } مختصر من حديث متفق عليه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            قوله : ( ثامنوني ) أي اذكروا لي ثمنه لأذكر لكم الثمن الذي أختاره ، قال ذلك على سبيل المساومة فكأنه قال : ساوموني في الثمن . قوله : ( لا نطلب ثمنه إلا إلى الله ) تقديره لا نطلب الثمن لكن الأمر فيه إلى الله ، أو إلى بمعنى من وكذا عند الإسماعيلي لا نطلب ثمنه إلا من الله ، وزاد ابن ماجه أبدا . وظاهر الحديث أنهم لم يأخذوا منه ثمنا وخالف ذلك أهل السير قاله الحافظ . قوله : ( وكان فيه ) أي في الحائط الذي بني في مكانه المسجد . قوله : ( وفيه خرب ) قال ابن الجوزي : المعروف فيه فتح الخاء وكسر الراء بعدها موحدة جمع خربة ككلم وكلمة

                                                                                                                                            وحكى الخطابي كسر أوله وفتح ثانيه جمع خربة كعنب وعنبة . وللكشميهني بفتح الحاء المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة . وقد بين أبو داود أن رواية عبد الوارث بالمعجمة والموحدة ، ورواية حماد بن سلمة عن أبي التياح بالمهملة ، والمثلثة قال الحافظ : فعلى هذا فرواية الكشميهني وهم لأن البخاري إنما أخرجه من رواية عبد الوارث . قوله : ( فاغفر للأنصار ) وفي رواية في البخاري للمستملي والحموي : " فاغفر الأنصار " بحذف اللام . قال الحافظ : ويوجه له بأن ضمن اغفر معنى استر ، وقد رواه أبو داود عن مسدد بلفظ " فانصر الأنصار " وفي الحديث جواز التصرف في المقبرة المملوكة بالهبة والبيع وجواز نبش القبور الدارسة إذا لم تكن محترمة ، وجواز الصلاة في مقابر المشركين بعد نبشها ، وإخراج ما فيها ، وجواز بناء المساجد في أماكنها ، وجواز قطع النخل المثمرة للحاجة

                                                                                                                                            قال الحافظ : وفيه نظر لاحتمال أن يكون ذلك مما لا يثمر إما بأن يكون ذكورا ، وإما أن يكون مما طرأ عليه ما قطع ثمرته ، وفيه أن احتمال كونها مما لا تثمر خلاف الظاهر ، فلا يناقش بمثله والأولى المناقشة باحتمال أن تكون غير مثمرة حال القطع ، إن أراد المستدل بالمثمرة ما كانت الثمرة موجودة فيها حال القطع وللحديث فوائد ليس هذا محل بسطها وصفة بنيان المسجد ما ثبت عند البخاري وغيره من حديث ابن عمر أنه قال : " إن المسجد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مبنيا باللبن وسقفه الجريد وعمده خشب النخل فلم يزد فيه أبو بكر شيئا ، وزاد فيه عمر وبناه على بنيانه في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باللبن والجريدة وأعاد عمده خشبا . ثم غيره عثمان [ ص: 172 ] فزاد فيه زيادة كثيرة وبنى جداره بالحجارة المنقوشة وجعل عمده من حجارة منقوشة وسقفه بالساج " .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية