الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 228 ] القول في تأويل قوله ( قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ( 137 ) )

قال أبو جعفر : يعني بقوله تعالى ذكره : " قد خلت من قبلكم سنن " ، مضت وسلفت مني فيمن كان قبلكم ، يا معشر أصحاب محمد وأهل الإيمان به ، من نحو قوم عاد وثمود وقوم هود وقوم لوط ، وغيرهم من سلاف الأمم قبلكم "سنن " ، يعني : مثلات سير بها فيهم وفيمن كذبوا به من أنبيائهم الذين أرسلوا إليهم ، بإمهالي أهل التكذيب بهم ، واستدراجي إياهم ، حتى بلغ الكتاب فيهم أجله الذي أجلته لإدالة أنبيائهم وأهل الإيمان بهم عليهم ، ثم أحللت بهم عقوبتي ، وأنزلت بساحتهم نقمي ، فتركتهم لمن بعدهم أمثالا وعبرا " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : فسيروا - أيها الظانون ، أن إدالتي من أدلت من أهل الشرك يوم أحد على محمد وأصحابه ، لغير استدراج مني لمن أشرك بي ، وكفر برسلي ، وخالف أمري - في ديار الأمم الذين كانوا قبلكم ، ممن كان على مثل الذي عليه هؤلاء المكذبون برسولي والجاحدون وحدانيتي ، فانظروا كيف كان عاقبة تكذيبهم أنبيائي ، وما الذي آل إليه غب خلافهم أمري ، وإنكارهم وحدانيتي ، فتعلموا عند ذلك أن إدالتي من أدلت من المشركين على نبيي محمد وأصحابه بأحد ، إنما هي استدراج وإمهال ليبلغ الكتاب أجله الذي أجلت لهم . [ ص: 229 ] ثم إما أن يؤول حالهم إلى مثل ما آل إليه حال الأمم الذين سلفوا قبلهم : من تعجيل العقوبة عليهم ، أو ينيبوا إلى طاعتي واتباع رسولي .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

7867 - حدثنا محمد بن سنان قال : حدثنا أبو بكر قال : حدثنا عباد ، عن الحسن في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، فقال : ألم تسيروا في الأرض فتنظروا كيف عذب الله قوم نوح وقوم لوط وقوم صالح ، والأمم التي عذب الله عز وجل ؟

7868 - حدثني محمد بن عمرو قال : حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، يقول : في الكفار والمؤمنين ، والخير والشر .

7869 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : " قد خلت من قبلكم سنن " ، في المؤمنين والكفار .

7870 - حدثنا ابن حميد قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق قال : استقبل ذكر المصيبة التي نزلت بهم يعني بالمسلمين يوم أحد والبلاء الذي أصابهم ، والتمحيص لما كان فيهم ، واتخاذه الشهداء منهم ، فقال تعزية لهم وتعريفا لهم فيما صنعوا ، وما هو صانع بهم : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، أي : قد مضت مني وقائع نقمة في أهل التكذيب لرسلي والشرك بي : عاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين ، فسيروا في الأرض تروا مثلات قد مضت فيهم ، ولمن كان على مثل ما هم عليه من ذلك [ ص: 230 ] مني ، وإن أمليت لهم ، أي : لئلا تظنوا أن نقمتي انقطعت عن عدوكم وعدوي ، للدولة التي أدلتها‌‌ عليكم بها ، لأبتليكم بذلك ، لأعلم ما عندكم .

7871 - حدثنا بشر قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : " قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين " ، يقول : متعهم في الدنيا قليلا ثم صيرهم إلى النار .

قال أبو جعفر : وأما "السنن " فإنها جمع "سنة " ، "والسنة " ، هي المثال المتبع ، والإمام المؤتم به . يقال منه : "سن فلان فينا سنة حسنة ، وسن سنة سيئة " ، إذا عمل عملا اتبع عليه من خير وشر ، ومنه قول لبيد بن ربيعة :


من معشر سنت لهم آباؤهم ، ولكل قوم سنة وإمامها



[ ص: 231 ]

وقول سليمان بن قتة :


وإن الألى بالطف من آل هاشم     تآسوا فسنوا للكرام التآسيا



وقال ابن زيد في ذلك ما : -

7872 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : " قد خلت من قبلكم سنن " ، قال : أمثال .

التالي السابق


الخدمات العلمية