الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 270 ] القول في تأويل قوله تعالى ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا )

قال أبو جعفر : يعني بذلك الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل ، وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم ، مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ، ولا بما في التوراة ، جهال بما في كتب الله - لطلب عرض من الدنيا خسيس ، فقال الله لهم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، كما : -

1388 - حدثني موسى قال ، حدثنا عمرو قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، قال : كان ناس من اليهود كتبوا كتابا من عندهم ، يبيعونه من العرب ، ويحدثونهم أنه من عند الله ، ليأخذوا به ثمنا قليلا .

1389 - حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا عثمان بن سعيد قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : الأميون قوم لم يصدقوا رسولا أرسله الله ، ولا كتابا أنزله الله ، فكتبوا كتابا بأيديهم ، ثم قالوا لقوم سفلة جهال : هذا من عند الله " ليشتروا به ثمنا قليلا " . قال : عرضا من عرض الدنيا .

1390 - حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله : ( للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) ، قال : هؤلاء الذين عرفوا أنه من عند الله ، يحرفونه .

1391 - حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : ثم يحرفونه . [ ص: 271 ] 1392 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد ، عن قتادة : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) الآية ، وهم اليهود .

1393 - حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر ، عن قتادة في قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ) ، قال : كان ناس من بني إسرائيل كتبوا كتابا بأيديهم ، ليتأكلوا الناس ، فقالوا : هذا من عند الله ، وما هو من عند الله .

1394 - حدثني المثنى قال ، حدثنا آدم قال ، حدثنا أبو جعفر ، عن الربيع ، عن أبي العالية قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا ) ، قال : عمدوا إلى ما أنزل الله في كتابهم من نعت محمد صلى الله عليه وسلم فحرفوه عن مواضعه ، يبتغون بذلك عرضا من عرض الدنيا ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .

1395 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال ، حدثنا إبراهيم بن عبد السلام قال ، حدثنا علي بن جرير ، عن حماد بن سلمة ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن كنانة العدوي ، عن عثمان بن عفان رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) ، الويل : جبل في النار ، وهو الذي أنزل في اليهود ، لأنهم حرفوا التوراة ، وزادوا فيها ما يحبون ، ومحوا منها ما يكرهون ، ومحوا اسم محمد صلى الله عليه وسلم من التوراة . فلذلك غضب الله عليهم ، فرفع بعض التوراة ، فقال : ( فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون ) .

1396 - حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، أخبرني سعيد بن أبي [ ص: 272 ] أيوب ، عن محمد بن عجلان ، عن زيد بن أسلم ، عن عطاء بن يسار . قال : ويل ، واد في جهنم ، لو سيرت فيه الجبال لانماعت من شدة حره .

قال أبو جعفر : إن قال لنا قائل : ما وجه قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) ؟ وهل تكون الكتابة بغير اليد ، حتى احتاج المخاطبون بهذه المخاطبة ، إلى أن يخبروا عن هؤلاء - القوم الذين قص الله قصتهم - أنهم كانوا يكتبون الكتاب بأيديهم ؟ .

قيل له : إن الكتاب من بني آدم ، وإن كان منهم باليد ، فإنه قد يضاف الكتاب إلى غير كاتبه وغير المتولي رسم خطه فيقال : كتب فلان إلى فلان بكذا " ، وإن كان المتولي كتابته بيده ، غير المضاف إليه الكتاب ، إذا كان الكاتب كتبه بأمر المضاف إليه الكتاب . فأعلم ربنا بقوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) عباده المؤمنين ، أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم ، على علم منهم وعمد للكذب على الله ، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله ، تكذبا على الله وافتراء عليه . فنفى جل ثناؤه بقوله : ( يكتبون الكتاب بأيديهم ) ، أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم . وذلك نظير قول القائل : " باعني فلان عينه كذا وكذا ، فاشترى فلان نفسه كذا " ، يراد بإدخال " النفس والعين " في ذلك ، نفي اللبس عن سامعه ، أن يكون المتولي بيع ذلك أو شراءه ، غير الموصوف له أمره ،

ويوجب حقيقة الفعل للمخبر [ ص: 273 ] عنه ، فكذلك قوله : ( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ) .

التالي السابق


الخدمات العلمية