الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 423 ] القول في تأويل قوله تعالى : ( جنات عدن يدخلونها ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ( 23 ) سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ( 24 ) )

قال أبو جعفر : يقول ( جنات عدن ) ، ترجمة عن ( عقبى الدار ) كما يقال : "نعم الرجل عبد الله" فعبد الله هو الرجل المقول له : "نعم الرجل" وتأويل الكلام : أولئك لهم عقيب طاعتهم ربهم الدار التي هي جنات عدن .

وقد بينا معنى قوله : ( عدن ) ، وأنه بمعنى الإقامة التي لا ظعن معها .

وقوله : ( ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم ) ، يقول تعالى ذكره : جنات عدن يدخلها هؤلاء الذين وصف صفتهم وهم الذين يوفون بعهد الله ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ، والذين صبروا ابتغاء وجه ربهم ، وأقاموا الصلاة ، وفعلوا الأفعال التي ذكرها جل ثناؤه في هذه الآيات الثلاث ( ومن صلح من آبائهم وأزواجهم ) ، وهي نساؤهم وأهلوهم وذرياتهم . و "صلاحهم" إيمانهم بالله واتباعهم أمره وأمر رسوله عليه السلام . كما : -

20338 - حدثنا الحسن بن محمد قال : حدثنا شبابة قال : حدثنا ورقاء ، [ ص: 424 ] عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : ( ومن صلح من آبائهم ) قال : من آمن في الدنيا .

20339 - حدثني المثنى قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد

20340 - وحدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .

20341 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد قوله : ( ومن صلح من آبائهم ) قال : من آمن من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم .

وقوله : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم ) ، يقول تعالى ذكره : وتدخل الملائكة على هؤلاء الذين وصف جل ثناؤه صفتهم في هذه الآيات الثلاث في جنات عدن ، من كل باب منها ، يقولون لهم : ( سلام عليكم بما صبرتم ) على طاعة ربكم في الدنيا ( فنعم عقبى الدار ) .

وذكر أن لجنات عدن خمسة آلاف باب .

20342 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا علي بن جرير قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن يعلى بن عطاء ، عن نافع بن عاصم ، عن عبد الله بن عمرو قال : إن في الجنة قصرا يقال له "عدن" حوله البروج والمروج ، فيه خمسة آلاف باب ، على كل باب خمسة آلاف حبرة ، لا يدخله إلا نبي أو صديق أو شهيد .

20343 - . . . قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرحمن بن مغراء ، [ ص: 425 ] عن جويبر ، عن الضحاك ، في قوله : ( جنات عدن ) قال : مدينة الجنة ، فيها الرسل والأنبياء والشهداء وأئمة الهدى ، والناس حولهم بعدد الجنات حولها .

وحذف من قوله : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) ، "يقولون" اكتفاء بدلالة الكلام عليه ، كما حذف ذلك من قوله : ( ولو ترى إذ المجرمون ناكسو رءوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا ) . [ سورة السجدة : 12 ]

20344 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن بقية بن الوليد قال : حدثني أرطاة بن المنذر قال : سمعت رجلا من مشيخة الجند يقال له "أبو الحجاج" يقول : جلست إلى أبي أمامة فقال : إن المؤمن ليكون متكئا على أريكته إذا دخل الجنة ، وعنده سماطان من خدم ، وعند طرف السماطين باب مبوب ، فيقبل الملك يستأذن؛ فيقول أقصى الخدم للذي يليه : "ملك يستأذن" ويقول الذي يليه للذي يليه : ملك يستأذن حتى يبلغ المؤمن فيقول : ائذنوا . فيقول أقربهم إلى المؤمن ائذنوا . ويقول الذي يليه للذي يليه : ائذنوا . فكذلك حتى [ ص: 426 ] يبلغ أقصاهم الذي عند الباب ، فيفتح له ، فيدخل فيسلم ثم ينصرف .

20345 - حدثني المثنى قال : حدثنا سويد قال : أخبرنا ابن المبارك ، عن إبراهيم بن محمد ، عن سهيل بن أبي صالح ، عن محمد بن إبراهيم قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء على رأس كل حول فيقول : "السلام عليكم [ ص: 427 ] بما صبرتم فنعم عقبى الدار" وأبو بكر وعمر وعثمان .

وأما قوله : ( سلام عليكم بما صبرتم ) فإن أهل التأويل قالوا في ذلك نحو قولنا فيه .

ذكر من قال ذلك :

20346 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال : حدثنا عبد الرزاق ، عن جعفر بن سليمان ، عن أبي عمران الجوني أنه تلا هذه الآية : ( سلام عليكم بما صبرتم ) قال : على دينكم .

20347 - حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( سلام عليكم بما صبرتم ) قال : حين صبروا بما يحبه الله فقدموه . وقرأ : ( وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا ) ، حتى بلغ : ( وكان سعيكم مشكورا ) [ سورة الإنسان : 2 - 22 ] وصبروا عما كره الله وحرم عليهم ، وصبروا على ما ثقل عليهم وأحبه الله ، فسلم عليهم بذلك . وقرأ : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ) .

وأما قوله : ( فنعم عقبى الدار ) فإن معناه إن شاء الله كما : -

20348 - حدثني المثنى قال : حدثنا إسحاق قال حدثنا عبد الرزاق ، عن جعفر ، عن أبي عمران الجوني في قوله ( فنعم عقبى الدار ) قال : الجنة من النار .

التالي السابق


الخدمات العلمية