الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ما تتلو الشياطين )

قال أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : ( ما تتلو الشياطين ) ، الذي تتلو . فتأويل الكلام إذا : واتبعوا الذي تتلو الشياطين .

واختلف في تأويل قوله : ( تتلو ) . فقال بعضهم : يعني بقوله : ( تتلو ) ، تحدث وتروي ، وتتكلم به وتخبر ، نحو "تلاوة" الرجل للقرآن ، وهي قراءته . ووجه قائلو هذا القول تأويلهم ذلك ، إلى أن الشياطين هي التي علمت الناس السحر وروته لهم .

ذكر من قال ذلك :

1651 - حدثني المثنى بن إبراهيم قال : حدثنا أبو حذيفة قال : حدثنا شبل ، عن عمرو ، عن مجاهد في قول الله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، قال : كانت الشياطين تسمع الوحي ، فما سمعوا من كلمة زادوا فيها [ ص: 410 ] مائتين مثلها . فأرسل سليمان إلى ما كتبوا من ذلك فجمعه ، فلما توفي سليمان وجدته الشياطين ، فعلمته الناس ، وهو السحر .

1652 - حدثنا بشر بن معاذ قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) ، من الكهانة والسحر . وذكر لنا ، والله أعلم ، أن الشياطين ابتدعت كتابا فيه سحر وأمر عظيم ، ثم أفشوه في الناس وعلموهم إياه .

1653 - حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج قال : قال عطاء : قوله : ( واتبعوا ما تتلو الشياطين ) ، قال : نراه ما تحدث .

1654 - حدثني سلم بن جنادة السوائي قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المنهال ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : انطلقت الشياطين في الأيام التي ابتلي فيها سليمان ، فكتبت فيها كتبا فيها سحر وكفر ، ثم دفنوها تحت كرسي سليمان ، ثم أخرجوها فقرأوها على الناس .

وقال آخرون : معنى قوله : ( ما تتلو ) ، ما تتبعه وترويه وتعمل به .

ذكر من قال ذلك :

1655 - حدثنا الحسن بن عمرو العنقزي قال : حدثني أبي ، عن أسباط ، عن السدي ، عن أبي مالك ، عن ابن عباس : ( تتلو ) ، قال : تتبع .

1656 - حدثني نصر بن عبد الرحمن الأزدي قال : حدثنا يحيى بن إبراهيم ، عن سفيان الثوري ، عن منصور ، عن أبي رزين مثله . [ ص: 411 ]

قال أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله عز وجل أخبر عن الذين أخبر عنهم أنهم اتبعوا ما تتلو الشياطين على عهد سليمان ، باتباعهم ما تلته الشياطين .

ولقول القائل : "هو يتلو كذا" في كلام العرب معنيان . أحدهما : الاتباع ، كما يقال : "تلوت فلانا" إذا مشيت خلفه وتبعت أثره ، كما قال جل ثناؤه : ( هنالك تتلو كل نفس ما أسلفت ) [ يونس : 30 ] ، يعني بذلك تتبع .

والآخر : القراءة والدراسة ، كما تقول : "فلان يتلو القرآن" ، بمعنى أنه يقرأه ويدرسه ، كما قال حسان بن ثابت :


نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد



ولم يخبرنا الله جل ثناؤه - بأى معنى"التلاوة" كانت تلاوة الشياطين الذين تلوا ما تلوه من السحر على عهد سليمان - بخبر يقطع العذر . وقد يجوز أن تكون الشياطين تلت ذلك دراسة ورواية وعملا فتكون كانت متبعته بالعمل ، ودارسته بالرواية ، فاتبعت اليهود منهاجها في ذلك ، وعملت به ، وروته .

التالي السابق


الخدمات العلمية