الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ( 53 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله : ( زبرا ) فقرأته عامة قراء المدينة والعراق : ( زبرا ) بمعنى جمع الزبور . فتأويل الكلام على قراءة هؤلاء : فتفرق القوم الذين أمرهم الله من أمة الرسول عيسى بالاجتماع على الدين الواحد والملة الواحدة ، دينهم الذي أمرهم الله بلزومه ( زبرا ) كتبا ، فدان كل فريق منهم بكتاب غير الكتاب الذي دان به الفريق الآخر ، كاليهود الذين زعموا أنهم دانوا بحكم التوراة ، وكذبوا بحكم الإنجيل والقرآن ، وكالنصارى الذين دانوا بالإنجيل بزعمهم ، وكذبوا بحكم الفرقان .

[ ص: 42 ] ذكر من تأول ذلك كذلك :

حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( زبرا ) قال : كتبا .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة ، مثله .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( بينهم زبرا ) قال : كتب الله فرقوها قطعا .

- حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) قال مجاهد : كتبهم فرقوها قطعا .

وقال آخرون من أهل هذه القراءة : إنما معنى الكلام : فتفرقوا دينهم بينهم كتبا أحدثوها يحتجون فيها لمذهبهم .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا كل حزب بما لديهم فرحون ) قال : هذا ما اختلفوا فيه من الأديان والكتب ، كل معجبون برأيهم ، ليس أهل هواء إلا وهم معجبون برأيهم وهواهم وصاحبهم الذي اخترق ذلك لهم . وقرأ ذلك عامة قراء الشام ( فتقطعوا أمرهم بينهم زبرا ) بضم الزاي وفتح الباء ، بمعنى : فتفرقوا أمرهم بينهم قطعا كزبر الحديد ، وذلك القطع منها واحدتها زبرة ، من قول الله : ( آتوني زبر الحديد ) فصار بعضهم يهود ، وبعضهم نصارى .

والقراءة التي نختار في ذلك قراءة من قرأه بضم الزاي والباء ; لإجماع أهل التأويل في تأويل ذلك على أنه مراد به الكتب ، فذلك يبين عن صحة ما اخترنا في ذلك ; لأن الزبر هي الكتب ، يقال منه : زبرت الكتاب : إذ كتبته .

فتأويل الكلام : فتفرق الذين أمرهم الله بلزوم دينه من الأمم دينهم بينهم كتبا كما بينا قبل .

وقوله : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) يقول : كل فريق من تلك الأمم ، بما اختاروه لأنفسهم من الدين والكتب ، فرحون معجبون به ، لا يرون أن الحق سواه .

كما حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني [ ص: 43 ] الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( كل حزب بما لديهم فرحون ) : قطعة وهؤلاء هم أهل الكتاب .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : ( كل حزب ) قطعة أهل الكتاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية