الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما ( 64 ) والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما ( 65 ) إنها ساءت مستقرا ومقاما ( 66 ) )

يقول تعالى ذكره : والذين يبيتون لربهم يصلون لله ، يراوحون بين سجود في صلاتهم وقيام . وقوله : ( وقياما ) جمع قائم ، كما الصيام جمع صائم ( والذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم ) يقول تعالى ذكره : والذين يدعون الله أن يصرف عنهم عقابه وعذابه حذرا منه ووجلا . وقوله : ( إن عذابها كان غراما ) يقول : إن عذاب جهنم كان غراما ملحا دائما لازما غير مفارق من عذب به من الكفار ، ومهلكا له . ومنه قولهم : رجل مغرم ، من الغرم والدين . ومنه قيل للغريم غريم لطلبه حقه ، وإلحاحه على صاحبه فيه . ومنه قيل للرجل المولع للنساء : إنه لمغرم بالنساء ، وفلان مغرم بفلان : إذا لم يصبر عنه ; ومنه قول الأعشى :


إن يعاقب يكن غراما وإن يع ط جزيلا فإنه لا يبالي



يقول : إن يعاقب يكن عقابه عقابا لازما ، لا يفارق صاحبه مهلكا له ، وقول [ ص: 297 ] بشر بن أبي خازم :


ويوم النسار ويوم الجفا     ر كان عقابا وكان غراما



وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي بن الحسن اللاني ، قال : أخبرنا المعافى بن عمران الموصلي ، عن موسى بن عبيدة ، عن محمد بن كعب في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : إن الله سأل الكفار عن نعمه ، فلم يردوها إليه ، فأغرمهم ، فأدخلهم النار .

قال : ثنا المعافى ، عن أبي الأشهب ، عن الحسن ، في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : قد علموا أن كل غريم مفارق غريمه إلا غريم جهنم .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : الغرام : الشر .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، في قوله : ( إن عذابها كان غراما ) قال : لا يفارقه .

وقوله ( إنها ساءت مستقرا ومقاما ) يقول : إن جهنم ساءت مستقرا ومقاما ، يعني بالمستقر : القرار ، وبالمقام : الإقامة ; كأن معنى الكلام : ساءت جهنم منزلا [ ص: 298 ] ومقاما . وإذا ضمت الميم من المقام فهو من الإقامة ، وإذا فتحت فهو من قمت ، ويقال : المقام إذا فتحت الميم أيضا هو المجلس ، ومن المقام بضم الميم بمعنى الإقامة ، قول سلامة بن جندل :


يومان : يوم مقامات وأندية     ويوم سير إلى الأعداء تأويب



ومن المقام الذي بمعنى المجلس ، قول عباس بن مرداس :


فأيي ما وأيك كان شرا     فقيد إلى المقامة لا يراها



يعني : المجلس .

التالي السابق


الخدمات العلمية