الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ( 18 ) )

اختلفت القراء في قراءة قوله : ( ولا تصعر ) فقرأه بعض قراء الكوفة والمدنيين والكوفيين : ( ولا تصعر ) على مثال ( تفعل ) . وقرأ ذلك بعض المكيين وعامة قراء المدينة والكوفة والبصرة ( ولا تصاعر ) على مثال ( تفاعل ) .

والصواب من القول في ذلك أن يقال : إنهما قراءتان ، قد قرأ بكل واحدة منهما علماء من القراء ، فبأيتهما قرأ القارئ فمصيب . وتأويل الكلام : ولا تعرض بوجهك عمن كلمته تكبرا واستحقارا لمن تكلمه ، وأصل ( الصعر ) داء يأخذ الإبل في أعناقها أو رءوسها حتى تلفت أعناقها عن رءوسها ، فيشبه به الرجل المتكبر على الناس ، ومنه قول عمرو بن حني التغلبي :


وكنا إذا الجبار صعر خده أقمنا له من ميله فتقوما

[ ص: 144 ]

واختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم نحو الذي قلنا فيه .

ذكر من قال ذلك :

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : ولا تتكبر ؛ فتحقر عباد الله ، وتعرض عنهم بوجهك إذا كلموك .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : لا تعرض بوجهك عن الناس تكبرا .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولا تصعر ) قال : الصدود والإعراض بالوجه عن الناس .

حدثني علي بن سهل قال : ثنا زيد بن أبي الزرقاء ، عن جعفر بن برقان ، عن يزيد في هذه الآية ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : إذا كلمك الإنسان لويت وجهك ، وأعرضت عنه محقرة له .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا خالد بن حيان الرقي ، عن جعفر بن ميمون بن مهران قال : هو الرجل يكلم الرجل فيلوي وجهه .

حدثنا عبد الرحمن بن الأسود قال : ثنا محمد بن ربيعة قال : ثنا أبو مكين ، عن عكرمة في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : لا تعرض بوجهك .

حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) يقول : لا تعرض عن الناس ، يقول : أقبل على الناس بوجهك وحسن خلقك .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : تصعير الخد : التجبر والتكبر على الناس ومحقرتهم .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبي ، عن أبي مكين ، عن عكرمة قال : الإعراض .

وقال آخرون : إنما نهاه عن ذلك أن يفعله لمن بينه وبينه صعر ، لا على وجه التكبر . [ ص: 145 ]

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع وابن حميد قالا : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : الرجل يكون بينه وبين أخيه الحنة ، فيراه فيعرض عنه .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن منصور ، عن مجاهد في قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ) قال : هو الرجل بينه وبين أخيه حنة فيعرض عنه .

وقال آخرون : هو التشديق .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال : ثني أبي ، عن جعفر الرازي ، عن مغيرة ، عن إبراهيم قال : هو التشديق .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا أبو أحمد قال : ثنا سفيان ، عن المغيرة ، عن إبراهيم قال : هو التشديق أو التشدق " الطبري يشك " .

حدثنا يحيى بن طلحة قال : ثنا فضيل بن عياض ، عن منصور ، عن إبراهيم ، بمثله .

وقوله : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) يقول : ولا تمش في الأرض مختالا .

كما حدثت عن الحسين قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تمش في الأرض مرحا ) يقول : بالخيلاء .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله : ( ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرحا إن الله لا يحب كل مختال فخور ) قال : نهاه عن التكبر ، قوله : ( إن الله لا يحب كل مختال ) متكبر ذي فخر .

كما حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : ( كل مختال فخور ) قال : متكبر . وقوله : ( فخور ) قال : يعدد ما أعطى الله ، وهو لا يشكر الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية