الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا وكان أمر الله مفعولا ( 37 ) ) [ ص: 273 ]

يقول - تعالى ذكره - لنبيه - صلى الله عليه وسلم - عتابا من الله له ( و ) اذكر يا محمد ( إذ تقول للذي أنعم الله عليه ) بالهداية ( وأنعمت عليه ) بالعتق ، يعني زيد بن حارثة مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أمسك عليك زوجك واتق الله ) وذلك أن زينب بنت جحش فيما ذكر رآها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأعجبته ، وهي في حبال مولاه ، فألقي في نفس زيد كراهتها لما علم الله مما وقع في نفس نبيه ما وقع ، فأراد فراقها ، فذكر ذلك لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيد ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أمسك عليك زوجك ) وهو - صلى الله عليه وسلم - يحب أن تكون قد بانت منه لينكحها ( واتق الله ) وخف الله في الواجب له عليك في زوجتك ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) يقول : وتخفي في نفسك محبة فراقه إياها لتتزوجها إن هو فارقها ، والله مبد ما تخفي في نفسك من ذلك ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) يقول - تعالى ذكره - : وتخاف أن يقول الناس : أمر رجلا بطلاق امرأته ونكحها حين طلقها ، والله أحق أن تخشاه من الناس .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه ) وهو زيد أنعم الله عليه بالإسلام ( وأنعمت عليه ) أعتقه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) قال : وكان يخفي في نفسه ود أنه طلقها . قال الحسن : ما أنزلت عليه آية كانت أشد عليه منها ؛ قوله ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) ولو كان نبي الله - صلى الله عليه وسلم - كاتما شيئا من الوحي لكتمها ( وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) [ ص: 274 ] قال : خشي نبي الله - صلى الله عليه وسلم - مقالة الناس .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد زوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ، ابنة عمته ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما يريده وعلى الباب ستر من شعر ، فرفعت الريح الستر فانكشف ، وهي في حجرتها حاسرة ، فوقع إعجابها في قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما وقع ذلك كرهت إلى الآخر ، فجاء فقال : يا رسول الله إني أريد أن أفارق صاحبتي ، قال : ما ذاك ، أرابك منها شيء ؟ " قال : لا والله ما رابني منها شيء يا رسول الله ، ولا رأيت إلا خيرا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أمسك عليك زوجك واتق الله ، فذلك قول الله تعالى ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) تخفي في نفسك إن فارقها تزوجتها .

حدثني محمد بن موسى الجرشي قال : ثنا حماد بن زيد ، عن ثابت ، عن أبي حمزة قال : نزلت هذه الآية ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) في زينب بنت جحش .

حدثنا خلاد بن أسلم قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن علي بن حسين قال : كان الله تبارك وتعالى أعلم نبيه - صلى الله عليه وسلم - أن زينب ستكون من أزواجه ، فلما أتاه زيد يشكوها ، قال : اتق الله وأمسك عليك زوجك ، قال الله : ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه ) .

حدثني إسحاق بن شاهين قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : لو كتم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - شيئا مما أوحي إليه من كتاب الله لكتم ( وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) . [ ص: 275 ]

وقوله : ( فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها ) يقول - تعالى ذكره - : فلما قضى زيد بن حارثة من زينب حاجته ، وهي الوطر ، ومنه قول الشاعر :


ودعني قبل أن أودعه لما قضى من شبابنا وطرا



( زوجناكها ) يقول : زوجناك زينب بعد ما طلقها زيد وبانت منه ؛ ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم ) يعني : في نكاح نساء من تبنوا وليسوا ببنيهم ولا أولادهم على صحة إذا هم طلقوهن وبن منهم ( إذا قضوا منهن وطرا ) يقول : إذا قضوا منهن حاجاتهم وآرابهم ، وفارقوهن وحللن لغيرهم ، ولم يكن ذلك نزولا منهم لهم عنهن ( وكان أمر الله مفعولا ) يقول : وكان ما قضى الله من قضاء مفعولا أي : كائنا كان لا محالة . وإنما يعني بذلك أن قضاء الله في زينب أن يتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ماضيا مفعولا كائنا .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله ( لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا ) يقول : إذا طلقوهن ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تبنى زيد بن حارثة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد ، في قوله ( فلما قضى زيد منها وطرا ) إلى قوله ( وكان أمر الله مفعولا ) إذا كان ذلك منه غير نازل لك ، فذلك قول الله ( وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم ) .

حدثني محمد بن عثمان الواسطي قال : ثنا جعفر بن عون ، عن المعلى بن [ ص: 276 ] عرفان ، عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت عائشة وزينب ، قال : فقالت زينب : أنا الذي نزل تزويجي .

حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن الشعبي قال : كانت زينب زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - تقول للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إني لأدل عليك بثلاث ما من نسائك امرأة تدل بهن ؛ إن جدي وجدك واحد ، وإني أنكحنيك الله من السماء ، وإن السفير لجبرائيل عليه السلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية